سبتمبر 08، 2011

المطلب الثالث : إنتشار الفوضى الفكرية أو .. " الحرية "


المطلب الثالث
إنتشار الفوضى الفكرية أو .. " الحرية "
                                               
    
 إن مفهوم الحرية في الإسلام مختلف ومغاير لما آل إليه مفهوم الحرية في واقعنا المعاصر .. ولعل مقولة الصحابي الجليل الربعي بن عامر قبل معركة القادسية ، لرستم قائد الفرس عندما دخل عليه مجلسه ، تعبر عن المفهوم السامي للحرية التي ارتضاها الله لعباده .. سأل رستم الربعي : ما جاء بكم ؟ فقال :" الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد .. إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه ، لندعوهم إليه " ... رواه الطبري .
  
  ( إن الانفتاح الفكري والطرح غير المنضبط بضوابط الشرع وفتح باب "حرية التعبير" على مصراعيه ، يُعد كل هذا نذير شر يهدد الأمة بأسرها ويضيع هويتها ، بل ربما أدى إلى محو وجودها حين لا يُعرف من الإسلام إلا أسمه ومن القرآن إلا رسمه .       
 فباسم " حرية التعبير " ستُحيي عقيدة اليهود الذين يصفون الله بصفات النقص { وقالت اليهود يد الله مغلولة } ( المائدة /64) .. و{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء }( آل عمران / 181

وباسم " حرية التعبير " سيُرفع شعار الإلحاد وينادى له في كل نــاد ، 
 وذلك الشعــــار أساسه ... لا إله والحياة مادة .
وباسم " حرية التعبير " سيُسمح ـ بسيف الحياء أو بغيره ـ برفض تطبيق الشريعة الإسلامية والطعن في ضوابطها وأصولها اتباعا لبدعة " الاستشراق " الخبيثة .
وباسم " حرية التعبير " ستـُـرفع شوكة أهل البدع ، من أهل الــكلام الذين يردون المنقول بالمعقول وكذلك الروافض الذين يسبون الصحابة وكذا الجهمية الذين ينفون الصفات والصوفية الذين يقدسون الأولياء وكل هؤلاء سيحميهم القانون .) [1]
  
وباسم " حرية التعبير " سيُسمح للفُسّاق والفُجّار بنشر كتاباتهم اللإلحادية والتي تقدح بالذات الإلهية ،و تنال من خير البرية بحجة الإبداع الفني بل ويُنكر 
على من يغضب لله ورسوله ويُنعت بالجمود والرجعية .


ولقد وصف أحد خطباء المسجد الحرام - في احدى خطبه -  الحرية الشخصية على أنها ردة بثوب جديد ، فقال :   

 " وقد ظن كثير من الناس أن ظاهرة الردة قد وئدت إلى غير رجعة ، بوأد أبي بكر لها ، ولكن الأمر على العكس من ذلك . فإن الردة عن الإسلام قد تطفؤ نارها تارة ، وتضرم تارة أخرى ، وقد تكون كالحرباء ، تتلون وتتغير بألوان تواكب العصر والحضارة . وقد برز في هذا العصر لون متميز من ألوان الردة ، ولباس جديد من ألبستها ، فقد اكتسح جزءاً كبيراً من أجزاء العالم الإسلامي ، وغزت هذه الظاهرة عدداً كبيراً من الأسر والبيوتات ، إنها ردة .. ولكنها لم تلفت المسلمين ، ولم تشغل خاطرهم ، لأن صاحبها لا يدخل كنيسة ، ولا يتعبد في بيعة ، هذه الردة هي ما يسمى بالحرية الشخصية ، التي يدعي أرباب الفكر المادي الملحد أنهم ربحوها من وراء التحرر من الدين ، والتلبس بلباس العلمانية ، وهذه الحرية هي العب من الشهوات بلا حساب ، والانطلاق وراء الرغبات الحسية بلا حياء ، والتحلل من عرى الفضائل والأخلاق والقيم العليا، بل والتحلل من الدين بالكلية ، وتنحية شرع الله عن واقع الحياة ، وهذه الحرية المزعومة ، ليست كسباً يسعى إليه ، ولا غنماً يحرص عليه ، إنما هي لا غير خسارة جسيمة على البشرية جمعاء ، وهزيمة منكرة للمعاني الإسلامية ، التي بها صار المسلم مسلماً { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون }  (آل عمران /83)   .

إن القيود التي يفرضها الإسلام على المسلم ، لا يريد بها عذابه ، ولا حرمانه ، إنما يريد بها أن يرتفع به من الحيوانية الهابطة ، إلى الإنسانية الصاعدة ، وبذلك ينتصر المسلم على الدعوى التحررية ، ويتغلب الإيمان والتقوى ، على الشهوة البهيمية السبعية ، وكل مجتمع يخرج على هذه القيود ، أو يهون من شأنها ، فإنه يعرض نفسه للخطر ، ويقرب بها من حافة الهاوية { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون }( البقرة / 229) . " [2]

:يوضح الشيخ سفر الحوالي خطر المناداة " بالحرية " بقوله :
     
" إذا إعترض معترض وقال ، لا نريد حكم الله ، لا نريد حكم الشريعة ، بماذا تعاقبونه ؟ ... لا يعاقب بشيئ طبعا ، لأنه مارس حقا قانونيا له ، فالدستور  يعطي كل مواطن الحق  ليختار ، يكفي أنه هناك واحد فقط  يقول نريد غير حكم الله ، فيقال له  من حقك أنت حر.


إن كل الخلق ملزمون و متعبدون ومأمورون بأن يتبعوا حكم الله وحده  وإلا لا يكونوا مسلمين ، هذا هو معنى كلمة الإسلام ، ولهذا يقول سبحانه وتعالى : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } ( البقرة / 208 )
والسلم هو الاسلام ، يعني أدخلوا في الدين كله ، وقال :{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله } ( البقرة / 193 ) 

لا بد أن يكون  كل الدين لله ، وإذا كان كذلك فلا تخيير ، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، هؤلاء جعلوا للناس الإختيار ، أن شئت توافق  وأن شئت لا توافق ". [3]

وها هي جملة من بروتوكولات صهيون ، تُلقي الضوء على الهدف والغاية التي أريدت من وراء المناداة " بالحرية " :

  • " كنا أول من صاح في الناس ( الحرية والمساواة والاخاء ) كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعارات ،وقد حرمت بتردادها العالم من نجاحه ،وحرمت الفرد من حريته الشخصية الحقيقية . إن صيحتنا ( الحرية والمساواة والاخاء ) قد جلبت الى صفوفنا فرقا كاملة من زوايا العالم الأربع عن طريق وكلائنا المغفلين ،وقد حملت هذه الفرق ألويتنا في نشوة ،بينما كانت هذه الكلمات – مثل كثير من الديدان- تلتهم سعادة الناس ،وتحطم سلامهم و استقرارهم ووحدتهم مدمرة بذلك أسس الدول "

  •  " الكلمات التحررية لشعارنا الماسوني هي (الحرية والمساواة والاخاء) ولن نبدل كلمات شعارنا بل نعيد صياغتها لتعبر ببساطة عن الفكرة ،وسوف نقول (حق الحرية ،وواجب المساواة ،وفكرة الإخاء)   " .

  •   " إذا تأسست الحرية على العقيدة وخشية الله وعلى الأخوة الإنسانية لا يمكن أن تأتي بضرر ، إن الناس عندما يكونون محكومين بمثل هذا الإيمان سيكونون تحت حماية هيئاتهم الدينية ،وسيعيشون في هدوء واطمئنان وثقة تحت إرشاد أئمتهم الروحيين وسيخضعون لمشيئة الله على الأرض ،وهذا هو السبب الذي يحتم علينا أن ننزع فكرة الله ذاتها من المعقول ،وأن نضع مكانها عمليات حسابية وضرورات مادية "  .
   فالحرية بمفهوم علمانيِّ اليوم لا مكان لها في حياة المسلم المُقيدة " بافعل ولا تفعل " ضمن ضوابط الشرع المطهر ،  فلا تتحقق حرية الإنسان إلا بكمال عبوديته وإستسلامه لخالقه ... فبكمال العبودية يتحرر الإنسان من كافة القيود التي تفرضها عليه المجتمعات المعاصرة .

  روى حماد بن زيد أيضا عن يزيد بن أبي حازم عن سليمان بن يسار أن رجلا من بني تميم يقال له صبيغ قدم المدينة ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ،  فأرسل إليه عمر،  وقد أعد له عراجين النخل  ، فقال: من أنت ؟  قال : أنا عبد الله صبيغ. فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه ، و قال: أنا عبد الله عمر، فجعل له ضرباً حتى دمى رأسه ، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك ، قد  ذهب الذي كنت أجد في رأسي.[4]
‏    
 وفي رواية :" أخبرنا ‏ ‏عبد الله بن صالح ‏ ‏حدثني ‏ ‏الليث ‏ ‏أخبرني ‏ ‏ابن عجلان ‏ ‏عن ‏ ‏نافع ‏ ‏مولى ‏ ‏عبد الله ‏ ‏أن ‏" صبيغا " العراقي ‏جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين ، حتى قدم ‏ ‏مصر ‏ ‏فبعث به ‏ ‏عمرو بن العاص ‏ ‏إلى ‏ ‏عمر بن الخطاب ، ‏ ‏فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال : أين الرجل ؟ قال : في ‏ ‏الرحل . ‏ ‏قال ‏ ‏عمر : ‏ أبصر أيكون ذهب فتصيبك منه العقوبة الموجعة . فأتاه به ‏ ‏فقال ‏ ‏عمر : ‏ ‏تسأل محدثة ؟ وأرسل ‏ ‏عمر ‏ ‏إلى ‏رطائب ‏من ‏جريد ‏ ‏فضربه بها حتى ترك ظهره ‏دبرة ، ‏ثم تركه حتى برأ ثم عاد له ثم تركه حتى برأ فدعا به ليعود له ، قال :فقال صبيغ‏ ‏: ‏إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت . فأذن له إلى أرضه وكتب إلى ‏ ‏أبي موسى الأشعري ‏ ‏أن لا يجالسه أحد من المسلمين ،  فاشتد ذلك على الرجل ، فكتب ‏ ‏أبو موسى ‏ ‏إلى ‏ ‏عمر ‏ ‏أن قد حسنت توبته ، فكتب ‏ ‏عمر ‏ ‏أن ائذن للناس بمجالسته ." [5]


 إيـــه يا عمر .. ما أحوجنا اليوم لـ " عراجين عمر " -  رضي الله عنه - لضرب كل من تسول له نفسه بنشر الباطل والدعوة إليه باسم " الحرية " ، ولكن ... إلى أن يتمكن الإيمان من نفوس أتباعه ، فيستحقوا بذلك التمكين من الله بمجتمع كمجتمع عمر ، ما لنا إلا أن نقول ...

 صبر جميل و الله المستعان على ما تصفون !
 ***


صيحة نذير من لجنة الدفاع عن التعبير ... داوود العسعوسي (مقالات على الإنترنت)  [1]
 [2]  من خطب الحرم ... الردة في ثوبها الجديد   
 3 ] قراءة في دساتير الغربيين ... الشيخ سفر الحوالي   ]
[ 4] سنن الدارمي  
[ 5] سنن الدارمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق