سبتمبر 08، 2011

المبحث الثاني : الإنحراف عن الحق


المبحث الثاني
الإنحراف عن الحق


المطلب الأول
صراع الحق والباطل

المسألة الأولى ... حزب الله وحزب الشيطان
  فالحق ... هو دعوة الرسل أتباعهم إلى توحيد  الله وحده وتحكيم شرعه في الأرض ، وهو ما سمى الشارع أتباعه ... " حزب الله "

قال المولى جل في علاه : 
{ ‏لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(المجادلة/22)

 وقوله تعالى ... أولئك حزب الله ، أي أولئك العالون في كمالاتهم الروحية ، حزب الله أي جنده وأولياءه .[1]

وأما الباطل ... فهو دعوة الشيطان أتباعه إلى الشرك وحكم الجاهلية وإتّباع الهوى ، وهو ما سمى الشارع أتباعه ... " حزب الشيطان "

قال الله تعالى :
{  اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }( المجادلة/19)
 وقوله تعالى ... استحوذ عليهم الشيطان ، أي غلب عليهم فأنساهم ذكر الله فلا يذكرونه إلا قليلاً كما أنساهم ذكر وعده ووعيده فلذا هم لا يرغبون فيما عنده ولا يرهبون مما لديه ، أولئك هم حزب الشيطان أي أتباعه وجنده الخاسرون المغبونون في صفقتهم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة  .[2]

ومن هذا المنطلق إفترق الناس إلى مُعسكرين لا ثالث لهما :

مُعسكر الإيمان ..... و مُعسكر الكُفر

فأما مُعسكر الإيمان ... فيتمثّل " بالسُلطة الشرعية " والإستخلاف في الأرض ، الذي منّ الله به على آدم وذريته ... فيكون دور الإنسان في هذا المُعسكر أن يضع نفسه على الطريق الذي حدده المنهج ، ويسير في الحياة وفقاً لهذا التحديد حتى يأتيه نصر الله ، فحركة المؤمن على الطريق نحو الغاية المُعلنة.

 يقول الله تعالى فيها :
{ ‏وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ‏ }(محمد /31)
" وقوله تعالى ... ولنبلونكم ، أي ولنختبرنكم بالجهاد والإنفاق والتكاليف . حتي نعلم المجاهدين منكم والصابرين ، أي حتى نُظهر ذلك لكم فتعرف المجاهد من القاعد والصابر من الضاجر منكم وبينكم . ونبلو أخباركم ، أي ما تُخبرون به عن أنفسكم وتتحدثون به فنُظهر الصدق من خلافه فيه .
ولذا كان الفضيل بن عياض عليه رحمة الله إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : ) اللهم لا تبتلينا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا (  [3]
 ويقول ابن كثير( في تفسيره) ... أي لنختبركم بالأوامر والنواهي  " [4]

فحركة العبد ارتبطت بمنهج الله تعالى كمعبود ...  فهو في هذه الحياة لا بد له إما أن يكون " مُجاهداً " ، وإما أن يكون " صابراً " محتسباً .

وأما مُعسكر الكُفر ... فيتمثّل " بالسلطة الزمنية " في الأرض .... فيكون الإنسان في هذا المُعسكر هو من عبد هواه ووضع قانون إستخلافه وعُبوديّته وفقاً لهذا الهوى من غير بصيرة ولا برهان من الله عز وجل ورسوله ... فيسير في الحياة وفقاً لمنهاجه الباطل سعياً وراء تحقيق" أمنه وإستقراره ومصالحه الدُنيوية " من خلال هذه  " السلطة الزمنية " والتي نصّبها إله يُعبد من دون الله ، وهو ما يُسمى في عصرنا الحالي بالديمقراطية والحرية تعالى الله عما يقول ويفعل الظالمون .  
 يقول الله تعالى :
{ ‏أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } (الجاثية/23)

وقوله تعالى ... أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ، أي جعل معبوده ما تهواه نفسه فما هويت قولاً إلا قاله ولا عملاً إلا عمله ولا إعتقاداً إلا اعتقده ضارباً بالعقل والشرع عرض الحائط فلا يلتفت إليهما ولا يستمع إلى ندائهما . وأضله الله على علم ، أي أضله الله مع ماعنده من العلم الذي لوخلع عن نفسه الكبر والعناد والميل إلى الهوى لاهتدى ونجى وسعد ويُحتمل أن يكون على علم من الله تعالى أنه ليس أهلاً للهداية ، وقد يصح الجمع بين القولين . [5] 

  المسألة الثانية ... بني يهود وإنكارهم للحق  

 وإن كان من المعلوم أن مُعسكر الكُفر ملة واحدة .. إلا أن "ملة يهود" أشد الناس عداوةً للإسلام والمسلمين منذ أن بعث الله إليهم بالأنبياء إلى يومنا هذا .

يقول الله تعالى :
{ ‏لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا }( المائدة /82)

 وقوله تعالى ... اليهود ، لما توارثوه خلفاً عن سلف من إنكار الحق والوقوف في وجه دعاته إضافةً إلى أن أملهم في إعادة مجدهم ودولتهم يتعارض مع مقاصد الدعوة الإسلامية .

 ولقد أنكر بني يهود دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع علمهم بقدومهم وانتظارهم له ، وقد كان اليهود إذا صار بينهم وبين سكان المدينة ( الأوس والخزرج ) شيئ توعّدوهم و قالوا : إن نبياً مبعوث الآن قد أظل زمانه نتّبعه ، نقتلكم معه قتل عاد و إرم . [6]  

  وقد ورد في كتب الحديث : " كان غلام يهودي يخدم النبي - صلي الله عليه وسلم - فمرض فأتاه النبي - صلي الله عليه وسلم - يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم ، فنظر إلي أبيه وهو عنده ؟ فقال له: أطع أبا القاسم - صلي الله عليه وسلم - فأسلم ، فخرج النبي - صلي الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار ، فلما مات قال: [صلوا علي صاحبكم] " [7]    .
 فلو ما علم أبا الغلام صدق نبوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما أمره باتباعه وطاعته ..... ولكن مع تيقّن الأب من الحق إلا انه جحده ورفضه لنفسه .
 وفي قصة الصحابي الجليل عبدالله بن سلام - رضي الله عنه - خير دليل على معرفة بني يهود ببعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتظارهم له .... فقد ذكر  ابن سلام ( في حديث له طويل .. وكان حبراً عالماً من أحبار اليهود ) حواره مع عمّته خالدة بنت الحارث واستغرابها تكبيره لما سمع خبر قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة فكان مما قالته له : " .. فقالت له : يا ابن أخي أهو الذي كُنّا نٌخبّر أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال : قلت لها نعم . ..."
 ثم أنه قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فنطق بالشهادتين ورفض قومه الدخول في الإسلام مع إعترافهم بأنه سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ( أي ابن سلام )  ... فكان جديراً بهم إتباعه . 

وقد ورد في مسند الإمام أحمد .. " عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود لآمن بي كل يهودي على وجه الأرض " .

وقد يتساءل القارئ .. ما السبب الذي دعى بني يهود لجحد النبي المنتظر- صلى الله عليه وسلم -  وردهم لدعوته مع ترقبهم له وتنبأ كتبهم بمجيئه ؟؟  

فالجواب .... أن بني يهود خالفوا كل ماجاء في كُتُبهم  وردوا دعوة خاتم الأنبياء والرسل - صلى الله عليه وسلم - ... للأسباب التالية :
  • خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العرب وليس ( كما كانوا يأملون) في بني يهود .
  • عموم وشمول دعوته عليه الصلاة والسلام على خلاف ما كان بني يهود يأمل في أن تكون دعوة قومية خاصة بهم .
  •  معارضة دعوته عليه الصلاة والسلام  لأهوائهم إذ أن رسالة الإسلام لا تُقر بالحكم إلا لله .. قال تعالى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ } (يوسف/40)
 على خلاف ما يسعى إليه بني يهود من جعل السلطة والتحكم في القرار السياسي حكراً لبني يهود .
    
  لقد  كان  ما أُذيقه بني يهود من الذل والهوان والإستعباد والتشريد  عبر أحقاب من الزمن تمتد إلى يومنا هذا ..  سبباً دافعاً لهم إلى السعي وراء " السلطة الزمنية " وهي الحُكْم  ...  

     فالسُلطة الزمنية ... بمعنى الحُكم ، يعتبرها بني يهود أصل الأصول الذي بنوا عليهم كيانهم كشعب ، فكان لابد لهم من العمل على امتلاك القرار السياسي ( أو التأثير عليه )  لقيام دولتهم المزعومة على مبدأ .. وضعي .. لا ديني من نتاج بشر وقول بشر ، وليس على مبدأ شرعي يقوم على التصدبق بالوحي والإستسلام لرب العالمين .

 لقد أيقن بني يهود - ممثلين بذلك قوى الشر في العالم -  أنهم لن تقم لها قائمة في الأرض إلا بتنحية شريعة وحكم الله في أرضه و لا يمكنهم ذلك فقط بتنحية الحكم بما أنزل الله كتشريع يحكم الدول ... وإنما كان لا بد لهم من تنحية مفهوم الحاكمية لله من نفوس البشر وعزله نهائياً ( أو هكذا ظنوا ) عن واقع حياة الناس وتعاملاتهم .

 فعلموا أنه عندما يُغيّب شرع الله الحق من نفوس أتباعه ومن التحاكم إليه في واقع حياتهم ... عندها تكون الغلبة لمعسكرهم ... معسكر الكفر ، و يصبح الطريق أمامهم مفتوح - إذ لم يعد هناك من يستطيع الوقوف في وجههم -  لحكم العالم و السيطرة عليه وإنشاء مملكتهم المزعومة  .

  لقد كانت الخلافة الإسلامية ممثلة بالدولة العثمانية آخر معقل لتحكيم شرع الله في الأرض [8] ، فكان لابد لكي  يُتاح لبني يهود التواجد في أنظمة الحكم والمعتركات السياسية للتربع على كرسي الحكم لقيادة العالم ، من إزالة وهدم هذا المعقل .
 لذا عمد المستعمر وأعوانه من المستشرقين والمنصرين ( ومن ورائهم الصهيونية العالمية تمهد لهم وتضغط بكل ما أوتيت من وسائل مادية وسياسية و إعلامية ) على إضلال المسلمين بتزيين فكرة فصل الدين عن شؤون الحياة بحجة التقدم والتطور للحاق بركاب الغرب .
***


[1 أبسر التفاسير لكلام العلي الكبير .... الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله
أبسر التفاسير ... أبو بكر الجزائري  [2  
 3] المصدر السابق ]
 4] أيسر التفاسير   ]
5] أيسر التفاسير     ]
انظر البداية والنهاية ... للحافظ ابن كثير رحمه الله  [6]
أخرجه البخاري والحاكم والبيهقي وأحمد والزيادة له في رواية   [7]
8] أو هكذا ظن هؤلاء الحاقدين الحمقى ... ونسوا أن تحكيم شرع الله يبدأ في نفوس أتباع الحق قبل أن ينتقل لتحكيمه في مجتمعاتهم .     ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق