سبتمبر 08، 2011

المطلب الرابع : إفساد النظام التربوي والتعليمي



المطلب الرابع
إفساد النظام التربوي والتعليمي

 تمهيد ...

 " كانت الأسرة المسلمة ولا زالت هدفاً استراتيجياً للقوى المعادية على اختلاف معسكراتها الفكرية وتوجهاتها الإجتماعية ، وكلها تجتمع على إضعاف المجتمع الإسلامي ، وتفكيكه ، وإلهائه عن مراكز القيادة الحضارية التي تبوأها طيلة عشرة قرون مضت .


إن الغزو الفكري الموجه للعالم الإسلامي طيلة العقود الأربعة الماضية أوما يقاربها أدى إلى تفسُّخ كثير من القيم والمثل الأخلاقية التي تمتاز بها أمة الإسلام .

 وإن من كُبرى مقاصد الدعوة الإسلامية : إصلاح المجتمع الإسلامي ، وحمايته من مؤثرات الفتن والمحن ، وصد العدوان الموجه للمجتمع الإسلامي على إختلاف أشكاله وتعدد صوره .

فالدعوة الإسلامية الراشدة تتجه بكل وسائلها وأساليبها ومناهجها وغاياتها إلى إصلاح المسلم وتهذيبه وتقويمه والذود عنه ، ودلالته على الخير ، وترغيبه فيه ، وتحذيره من الشر ، وإعانته على اجتنابه . " [1]   


ولقد أدركت كافة قوى الباطل المعادية للإسلام حقيقة هذا الدور القوي الذي يقوم به الدين الإسلامي في تقويم سلوكيات أتباعه وحمايتهم من الفتن ... وأيقنت أنها لن تقوم لها قائمة في الدول الإسلامية إلا بإقصاء التحاكم لشرع الله من حياة الفرد على المستوى الشخصي ومن ثم من حياة الأسرة ويتبعه المجتمع بأكمله .

 فكان لابد لها من خطة مدروسة ... وبدأ هدم المجتمع الإسلامي بمعولين ، ظاهرهما النهوض بالأمة لكي تلحق بركب الحضارة والتقدم والتطور - كما ظن كثير من المسلمين المخدوعين أو السذج -  وباطنهما الخراب والدمار للمجتمع ، ألا وهما :
                     التعليم ... و تحرير المرأة
    
 المسألة الأولى … التعليم
" قضية التعلم وطلب العلم قضية أساسية بالنسبة لكل مسلم ، وتأتي هذه الأهمية بعد قضية الإيمان بالله عز وجل ، فأول واجب على كل مسلم الإيمان ، يليه العلم ، ولذلك قال علماء السلف : العلم قبل القول والعمل ..... ، فالتعلم هو الوسيلة التي يتمكن بها المُكلّف من تصحيح إيمانه ، ومن تصحيح عمله ، لكن لا ينتظر المكلف حتى يتعلم بل يجب عليه أن يؤمن أولا وقبل كل شيئ . "   [2] 

يقول الله تعالى : { فاعلم أنّه لا إله إلا الله } ( محمد / 19)

  لقد عني الإسلام بالتعليم عناية شديدة  وحث عليه  ويتضح ذلك من الأمر الرباني للمسلم ،  " فاعلم " ... العلم الذي تعرف به ربك عز وجل .
  
  إن " فاعلم " لا تأتي إلا بتعلم العلم الشرعي الصحيح وفق " منهجية للتعلم "على الكتاب والسنة بفهم سلف أمتنا الصالح .

" فباعلم " .. يتعلم المسلم توحيد ربه ، وأسماءه وصفاته وأفعاله  ، وبها يتعلم أحكام دينه ، وبها يتعرف على سيرة نبيه الحبيب – صلى الله عليه وسلم – وصحابته الأخيار فتكون له مصدر عزة ورفعة ، وبها يتعرف على عدوه ، فيعلم من يُوالي وممن يبرأ ويُعادي .

ولقد أتبع الله تعالى قوله { فاعلم أنه لا إله إلا الله } بــ { واستغفِر لِذنبك } ، فبتحقق " فاعلم " تتحقق مخافة الله في النفس وعبادته واستغفاره.

يقول العلامة ابن القيم :
 " والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها وهي شرائع الإسلام التي هي تفصيل هذه الكلمة ، بالتصديق بجميع أخباره ، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه .. فالمصدق بها على الحقيقة هو الذي يأتي بهذا كله ، ومعلوم أن عصمة المال والدم على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبالقيام بحقها ، وكذلك النجاة من العذاب على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبحقها " .  [3]  

 ولقد حرص علماء المسلمين ومربيهم عبر تاريخ الأمة الطويل على تعليم النشئ العلم الشرعي وتحصينهم به ، فكان درعا ًواقياً لهم حتى في أحلك اللحظات وأشدها . وقد دأبوا على ذلك عن طريق حُلق العلم لتلقيه على أيدي أكابر العلماء .
  ولقد فطن أعداء الإسلام  لأهمية { فاعلم أنه لا إله إلا الله }   في بناء الفرد المسلم على قواعد عقدية متينة تربطه بخالقه ... " فباعلم " تكون العبادة لله وحده ، والحاكمية لله وحده ، والتشريع من عند الله وحده .
     
 " فيأكل المسلم لله ، ويشرب لله ، ويلبس لله ، وينشط نشاطه الجنسي لله ، ويملك لله ويقاتل لله ، ويبرز لله ، ويحب لله ، ويكره لله .. إلخ " . [4]  

 فكان لا بد لهم من تجهيل المسلمين " باعلم " ، أي تجهيلهم بمعنى كلمة " لا إله إلا الله " ، فتصبح كلمة يرددها اللسان لا حقيقة لها في حياته .
            
   وجُنِّد أول معول وبدأ هدم أهم صرح في بناء الفرد المسلم ، ألا وهو مفهوم
العقيدة التي تربطه بخالقه .


وبدأ النظام التعليمي والذي شبت عليه الأمة حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية مطلع القرن العشرين بالتغيير ... وبدأت المؤامرة ..

-  فاستُبدل الكُتّاب  أو حلقات تحفيظ القرآن للصغار ... بدور الحضانة ورياض الأطفال

- واستُبدلت حُلق العلم والمساجد ...  بالمدارس الحكومية النظامية .

- واستُبدل الشيخ المربي ... بمدرّسين ومدرّسات إما علماني الفكر والعقيدة أو مسلمين لا  يعرفون من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه .  

- واستُبدلت عقيدة التوحيد بالله الواحد الأحد ...  بنظريات فلسفية إلحادية وتجريبية هدامة كنظريات داروون وماركس وفرويد وغيرهم .

- واستبدلت دراسة السيرة النبوية الشريفة وأثرها الطاهر على البشرية جمعاء ... بدراسة الثورة الفرنسية  والثورة الصناعية وفضلهما على التقدم والتطور والحضارة المعاصرة .

- واستبدلت دراسة الفتوحات الإسلامية على يد سيف الله خالد بن الوليد ومحمد بن القاسم الثقفي وغيرهم من أسود الإسلام العظام ... بدراسة بطولات نابليون وحملته الشهيرة التي فتحت أمام مصر الكنانة أبواب الحضارة والتقدم .

- واستبدلت محبة المسلمن وولائهم على إختلاف مشاربهم ...  بتعصب قبلي مقيت ومقولة " أنا عربي عربي أحب كل عربي "  .

- واستبدل العداء للمشركين الكفار والبراء منهم ... بمحبة كل ماهو غربي لمجرد كونه غربي .

- واستبدل الشعور بالعزة لحمل لغة " الضاد " لغة القرآن ولغة العلم ... بالشعور بالنقص لمن لا يرطن لسانه بلغة أجنبية .

- واستبدلت العزة والأنفة والإباء بالإنتماء للإسلام  .. لشعور داخلي بالهزيمة والضعف والإستحياء من إتِّباعه والإنتماء إليه ، كيف لا و هو الآن العائق الوحيد أما الجيل الجديد ( جيل الإنهزام ) للتقدم والرقي للحاق بركب الغرب وحضارته الغراء .


- واستبدلت أجيال العزة والجهاد والإنتصارات ... بجيل " مسخ " ...
 لا غاية ولا هدف من وجوده ... جيل مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء .. فهو ليس بغربي مع تشوقه لأن يكون منهم ، ولا هو إسلامي عربي لكراهته الإنتماء إليهم ... جيل لا يعرف إلا الشهوات والملذات كالأنعام بل هم أضل .

يقول الشيخ بكر أو زيد :      
"  إن أعداء الله عباد الصليب وغيرهم من الكافرين أنزلوا بالمسلمين استعمارا من طراز آخر هو:"الاستعمار الفكري" وهو أشد وأنكى من حربهم المسلحة ؟!

 فأوقدوها معركة فكرية خبيثة ماكرة ، ونارا ماردة ، وسيوفا خفية على قلوب المسلمين باستعمارها عقيدة وفكرا ومنهج حياة ، ليصبح العالم الإسلامي غريبا في أخلاقه ومقوماته متنافرا مع دين الإسلام الحق ، وكان أنكى وسائله  :جلب "نظام التعليم الغربي " و "المدارس الاستعمارية _ الأجنبية العالمية" إلى عامة بلاد العالم الإسلامي ، ولم يبق منها بلد إلا دخلته هذه الكارثة.

إنها المدارس الأجنبية والكليات والجامعات بلا فرق بين التبشيرية منها وغير التبشيرية ، وإن كان السواد الأعظم منها هو التبشيري على كل حال.

 وإنما كانت : "المدرسة" و"التعليم" أولى خطط التبشير لسببين مهمين :

الأول :أن حاجة الناس إلى العلم لا تنقطع فالإقبال عليه غريزة دافعة إلى طلبه .
الثاني : أن التعليم يتضمن تنشئة الأجيال وهذه المدارس تصبغهم بصبغتها وتوجههم بوجهتها .

 فإذا تبنت أمة نظام التعليم في عقيدتها وأخلاقها أنتج أهدافه منعكسة على شد الأمة إلى عقيدتها وأخلاقها ، وسياستها ، وآدابها الاجتماعية ، والثقافية ، ووحدتها في ذلك ، وتضييق مساحة الصراع والتبدد والانقسام . 


 أما إذا تبنت أمة نظام تعليم وافد في ظل عقيدة غير عقيدتها ، وأخلاق غير أخلاقها ، فإنه ينتج أهدافه منعكسة عليها في الاعتقاد والأخلاق والسياسة والاجتماع ، لما تنطوي عليه نفوس ناشئتها من افكار وانحرافات مغايرة لما عايه إيمانها وعقيدتها وسلوكها ، مفضيا ذلك إلى زعزعة العقيدة ، ثم الردة الفكرية ، فالعقدية ، وبه تؤول حياة الأمة إلى تبدد وانقسام ، وتصدع وصراع ، وتعيش في ظله بين البناء والهدم ، والتصديق والتكذيب ، والاحترام والازدراء ، والتشقق في تزايد وامتداد ، والصراع في تصاعد واتساع ، ولا تسأل حينئذ فشو الفوضى ، واضطراب الأحوال .

وإن الوليد المسلم الذي يرمي به أبواه في أحضان هذه المدارس الاستعمارية :

    إما ان يخرج مسلما خواء مفرغا من مقوماته من حيث لا يشعر، مشحونا        بمقومات غيره في دينه وثقافته ، يستخدمونه لأغراضهم وغاياتهم .
    
وإما ردة إلى دين باطل كالنصرانية .

وإما ردة إلى غير دين : "اللادينية"... فسلخ هذه المدارس الاستعمارية لدين المسلم   إلى الإلحاد والعلمنة هي أوسع مساحة من ردته إلى دين باطل كالنصرانية . " [5]
  
المسألة الثانية ... تحرير المرأة

 "   إن الإسلام قد اهتم بالمرأة اهتماماً بالغاً ، وأحاطها بالتربية والرعاية ، وشرع لها من الحقوق بما يلائم تكوينها وفطرتها ما لم تعهده أمة من الأمم على مر العصور .

 وبهذا الإهتمام العظيم صاغ الإسلام تلك المرأة المسلمة التي كانت وراء هؤلاء العظام الأفذاذ الذين ملأوا الأرض بالحكمة والعدل ، وركزوا ألويتهم في قلب آسيا ، وهامات أفريقية ، وأطراف أوربا ، وتركوا دينهم وشرعهم ولغتهم وعملهم وأدبهم تدين لها القلوب وتستروحها النفوس.

وقد صدق الشاعر إذ يقول :

الأم مدرسة إذا أعددتهــــا     أعددت شعبــــاً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيــا     بالري أورق آيمــأ ايـــــراق
الأم أستــاذ الأسـاتذة الأولى    شغلت مأثرهم مدى الآفـــــاق

 ولكن عندما تنحرف المرأة عن مهامها الأصلية التي رسمها لها الإسلام وتبرز بزور الشر ، وتنطمس معالم الخير من نفسها ، فإنها ستنقلب آنذاك إلى سلاح فتاك ينذر بتدمير الأمم وانهيارها وتمزيقها أشد ممزق .
ومن أجل هذا نجد أن قائد الأمة ومعلمها الأول - صلى الله عليه وسلم قد حذر أمته من خطر المرأة  في حال انحرافها كما حذر من خطر التكالب على الدنيا . فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها ، فناظر كيف تعملون ؟ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ".[6] وفي رواية أخرى ( فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) .  
 
 ولقد أدرك الأبالسة من أعداء الإسلام الدور البارز للمرأة المسلمة في بناء الأمة المسلمة منذ أن بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى اليوم  ، كما عز عليها أن تجود على أمتها بالعلماء العاملين ، والمجاهدين الصادقين أمثال عمر بن الخطاب ، وخالد بن الوليد ، وصلاح الدين الأيوبي ، و .. وعائشة بنت الصديق ، وأسماء، وأم عمارة ، والخنساء و.. و.. ووجد هؤلاء الأعداء بأن خير وسيلة لهدم الإسلام هي القضاء على عقيدة المرأة المسلمة فعمدوا على وضع المخططات الخبيثة والدنيئة ، لإخراجها عن وظفتها الأساسية ، وسلب تلك البيعة الكريمة من يدها ، والزج بها في مهاوي الرذيلة تحت مصطلحات براقة مثل ...   التحرر ،  والمساواة ، والتقدم ، والعلمانية ، والثورية ، وتحطم الأغلال , 
والحداثة والتجديد ... إلى آخر تلك الشعارات والعناوين الضالة المضلة .
        
وها نحن أولاء نسمع أحد أقطاب المستعمرين يقول : ( كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات ) .    
 وقد جاء في بروتوكولات حكماء صهيون : " يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان ، فتسهل سيطرتنا ، إن فرويد منا سيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيئ مقدس , ويصبح همه الأكبر هو إرواء غريزته الجنسية ، وعندئذ تنهار أخلاقه " .[7]    

 وجُنِّد المعول الثاني - والذي لا يقل في خطورته عن الأول _  لهدم الأسرة التي هي نواة المجتمع وأساسه عن طريق الدعوة لتحرير المرأة .

 فكان تحريرها من العفة ، وتحريرها من الطهارة بالزج بها إلى كل ما يمكنه أن يُعيق الهدف والغاية التي خُلقت من أجلها ... ألا وهي عبادة خالقها وتربية الجيل المسلم لحمل الأمانة التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان .

يقول الشيخ بكر أبو زيد :
 " إن هذه المطالب المنحرفة تُساق باسم تحرير المرأة في إطار نظريتين هما: حرية المرأة و المساواة بين المرأة والرجل ، وهما نظريتان غربيتان باطلتان شرعاً وعقلاً، لا عهد للمسلمين بهما، وهما استجرار لجادة الأخسرين أعمالاً، الذين بغوا من قبل في أقطار العالم الإسلامي الأخرى، فسَعوا تحت إطارهما في فتنة المؤمنات في دينهن، وإشاعة الفاحشة بينهن، إذ نادوا بهذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين، ثم صرحوا بنقطة البداية: خلع الحجاب عن الوجه، ثم باشروا التنفيذ لخلعه، ودوسه تحت الأقدام، وإحراقه بالنار، وعلى إثر هذه الفعلات، صدرت القوانين آنذاك في بعض الجمهوريات مثل: تركيا، وتونس، وإيران، وأفغانستان، وألبانيا، والصومال، والجزائر، بمنع حجاب الوجه، وتجريم المتحجبة، وفي بعضها معاقبة المتحجبة بالسجن والغرامة المالية!!! " [8]

ولكن المطلوب هو نزع الحجاب ! "

  المطلوب هو السفور! المطلوب هو التبرج! المطلوب هو أن تخرج المرأة في النهاية عارية في الطريق! ذلك ما تطلبه مؤتمرات المبشرين، وما يطلبه الصليبيون الذين يخططون.. .
فلتكن القضية إذن هي قضية السفور والحجاب. وليوصف الحجاب بكل شر يمكن أن يرد على الذهن، وليوصف السفور بكل خير يخطر على البال.
ولتبدأ القضية من هنا.. ولتنته حيث يريد الشيطان!    

  دارت المعركة، وطالب المدافعون عن قضية المرأة أن يسمح لها بدخول الجامعة أسوة بالرجل ومساواة له.

و..  دخلت المرأة الجامعة لا " لتتعلم" فقط .. ولكن " لتتحرر " ! لتتحرر من الدين والأخلاق والتقاليد!!
فقد قيل لها- كما قيل للمرأة الأوروبية من قبل- إن التعليم.. والاختلاط.. والحرية.. و" التجربة " كلها " حقوق " للمرأة ، كان الدين والأخلاق والتقاليد تمنعها من مزاولتها.. واليوم ينبغي أن تحطم الحواجز كلها لتحصل المرأة على مالها من حقوق .


 وكما كان من أهداف الجامعة تخريج الجيل الجديد من " الرجال المتحررين " - الذين أداروا ظهورهم للإسلام وولوا وجوههم شطر الغرب- سواء من كلية الآداب أو الحقوق أو الكليات العملية، فقد كان من أهدافها كذلك تخريج الجيل الجديد من  " النساء المتحررات " اللواتي انسلخن من الدين والأخلاق والتقاليد.. فقد كانت " الفتاة الجامعية ".. " المثقفة "..    " المتحررة ".. عنوانا للتغير المطلوب ، ودافعا في الوقت ذاته إلى مزيد من " التحرر " المطلوب!

أما البيت.. فآخر ما تفكر فيه الفتاة الجامعية..
لقد نعت لها بكل نعت مقزز منفر.. حتى أصبح البقاء فيه هو المعرة التي لا تطيق فتاة جامعية أن تلصق بها..  
البيت هو السجن.. هو الضيق.. هو الظلام.. هو التأخر.. هو..الرجعية.. هو " عصر الحريم ".. هو التقاليد البالية.. هو القرون الوسطى المظلمة.. هو دكتاتورية الرجل.. هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء..!

أما حين تبقى في البيت.. فلأي شيء تبقى؟! لتطبخ وتغسل.. يا للعار!! أو تحمل وتلد وترضع.. إن هذا الأمر- حتى لو حدث- لا ينبغي حتى أن يمنعها من العمل. فالمرأة " الحديثة " قد تغلبت على هذه المشكلة، ونسقت بين حياتها الزوجية وبين العمل، فلم يعد شيء يعوقها عن العمل بعد الزواج.. أما قبل الزواج فالعمل، ولا شيء غير العمل!

فأما تعطيل الفتاة عن الزواج فقد واجهه أصحاب " القضية " بالمطالبة بإرجاء سن الزواج، وتحريم الزواج قبل سن السادسة عشرة (وصدر تشريع بذلك)، ومحاولة تزيين هذا التأخير بمختلف الحجج، حتى صار أمرا واقعا فيما بعد، لا عند السادسة عشرة؟ بل عند الثلاثين وما بعدها في بعض الأحيان ."    [9]  
      
 ويتصاعد شأن القضية، من قضية المرأة إلى قضية إفساد العالم الإسلامي ، وهذه الخطة الضالة ليست وليدة اليوم، فإنها جادة الذين مكروا السيئات من قبل في عدد من الأقطار الإسلامية، حتى آلت الحال -واحسرتاه- إلى واقع شاع فيه الزنا، وشُرعت فيه أبواب بيوت الدعارة ودور البِغاء بأذون رسمية، وعمرت خشبات المسارح بالفن الهابط من الغِناء والرقص والتمثيل، وسُنّت القوانين بإسقاط الحدود، وأن لا تعزير عن رضا .. وهكذا، من آثار التدمير في الأعراض، والأخلاق والآداب. [10]      
    
فباسم الحرية والمساواة :                 

  أخرجت المرأة من البيت تزاحم الرجل في مجالات حياته .
 وخُلع منها الحجاب وما يتبعه من فضائل العفة والحياء والطهر والنقاء .
  وغمسوها بأسفل دركات الخلاعة والمجون، لإشباع رغباتهم الجنسية.
  ورفعوا عنها يد قيام الرجال عليها، لتسويغ التجارة بعرضها دون رقيب عليها.
   ورفعوا حواجز منع الاختلاط والخلوة، لتحطيم فضائلها على صخرة التحرر، والحرية والمساواة.
  وتَمَّ القضاء على رسالتها الحياتية، أُمَّاً وزوجة، ومربية أجيال، وسكناً لراحة الأزواج، إلى جعلها سلعة رخيصة مهينة مبتذلة في كف كل لاقط من خائن وفاجر. [11]

 والذي يريده " الحضاريون التطوريون " في الحقيقة ليس هو تحرير المرأة ، ولا الحفاظ على كرامتها ، إنما هو إشاعة الفاحشة في المجتمع ، لينتهبوا من اللذات ما يشاءون بلا حاجز ولا رقيب ، وأولئك هم الشياطين !
 { ‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ( النور/19) .[12]

يقول ألكس كاريل .. في كتابه " الإنسان ذلك المجهول " :

" لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً . ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة ،  حتى يستطعن الإنصراف إلى أعمالهن ، أو مطامعهن الإجتماعية ، أو مباذلهن ، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية ، أو للعب البريدج ، أو ارتياد دور السينما ... وهكذا يضيعن أوقاتهن في الكسل . إنهن مسؤولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار ، فيتعلم منهم أموراً كثيرة .. إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع أخرى من نفس عمرها في حظيرة واحدة ، لا تنمو نمواً مكتملاً كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في إثر والديها . والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذين يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء . لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيلوجي والعقلي والعاطفي طبقاً للقوالب الموجودة في محيطه . إذ أنه لا يتعلم إلا قليلاً من الأطفال في مثل سنه . وحينما يكون مجرد وحدة في مدرسة ، فإنه يظل غير مكتمل . ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة فإنه يحتاج إلى عزلة نسبية ، واهتمام جماعة إجتماعية محددة تتكون من الأسرة " .[13]  

    لقد تكاتفت الأدوات كلها للوصول في النهاية إلى هدف واحد.. صرف هذه الأمة عن دينها وأخلاقها وتقاليدها. وإنشاء مجتمع " جديد " لا يحفل شيئا بالقيم الدينية، لا يجعلها نصب عينيه، ولا يستمد منها منهج حياته، ولا يلجأ إليها في تكوين أفكاره ولا اهتماماته ولا عاداته ولا أنماط سلوكه .[14]
                                             ***


 1] تأخر سن الزواج ... د.عبدالرب نواب الدين آل نواب ، رئيس قسم الدعوة بالجامعة الإسلامية / المدينة المنورة ( سابقاً ) ]

 برنامج عملي للمتفقهين ... الدكتور عبدالعزيز عبدالفتاح القارئ [2]
3] التبيان في أقسام القرآن " لابن القيم " ص43، تعليق طه يوسف شاهين ... عن الولاء والبراء لمحمد بن سعيد القحطاني    3]
انظر التطور والثبات ... محمد قطب  [4]
 ] انظر المدارس العالمية ... الشيخ بكر أبو زيد  5]
رواه مسلم في الذكر ، باب أكثر أهل الجنة الفقراء برقم 2742  [ [6 
كتاب نساء حول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... محمود مهدي الإستانبولي ومصطفى أبو النصر الشلبي  [7]
  8 ] حراسة الفضيلة ... الشيخ بكر أبو زيد  ]
انظر قضية  تحرير المرأة / واقعنا المعاصر ... محمد قطب  [9]
حراسة الفضيلة ... الشيخ بكر أبو زيد   [10]
حراسة الفضيلة ... الشيخ بكر أبو زيد  [11]
12] محمد قطب ]
  ألكس كاريل .. في كتابه " الإنسان ذلك المجهول "/من كتاب التطور والثبات في الحياة البشرية ..محمد قطب [13]
[14] قضية تحرير المرأة ... محمد قطب 
    

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق