سبتمبر 07، 2011

المطلب الخامس :إقصاء الشرع و الحكم بغير ما أنزل الله



المطلب الخامس
إقصاء الشرع و الحكم بغير ما أنزل الله  
 
المسألة الأولى ... تحكيم القوانين    
كان تطبيق الشريعة الإسلامية شوكة في حلوق أعداء هذا الدين ، وكانت الخلافة 
تعتبر رمز قوة المسلمين ووحدتهم .
      
 ولذلك دأب المستعمر وأعوانه على إقناع بعض المسلمين من أجل اللحاق بالغرب بفصل الدين عن شؤون الدولة و الحياة ، بعد أن تآمروا على نظام الخلافة في مطلع هذا القرن .[1]

وكانت المؤامرة ..    

كان من أهم شروط إتفاقية " سايكس بيكو " 1915م ، عندما خرجت تركيا مهزومة من الحرب ، أن اشترط الحلفاء إلغاء نظام الخلافة وطرد السلطان العثماني خارج الحدود ومصادرة أمواله ، ثم إعلان علمانية الدولة .  [2]

 وما أن ألغيت الخلافة الإسلامية في تركيا على يد كمال أتاتورك  ، حتى بدأ الترويج لإستبدال الشرع المطهر بالقوانين الوضعية ، فتارة إشتراكية وتارة  شيوعية و أخرى رأسمالية ...

يقول الشيخ سفر الحوالي [3]:
        
 " لما استورد العالم الإسلامي القوانين الوضعية ، جاءت هذه القوانين الوضعية وأخذوا يطبقونها . بدأت تركيا ثم مصر , و هكذا تلتها دول أخرى ، أخذوا حق السيادة والتشريع  وحق الإصدار وحق الإلغاء وحق التنفيذ ، وأعطوه لغير الله ، قد يكون لرئيس الدولة  و قد يكون لما يسمونه مجلس الشعب أو البرلمان أو مايسمونه بمجلس قيادة الثورة ، أحيانا يكون للشعب .

ويعنون بالشعب أن على الشعب أن يختار ممثليه ، والممثلون هؤلاء يحكمون الناس باسم الشــعب على أسـاس أن الشعب هو الذي اختارهم ورضى بهم ، لذلك تجدون أن كل من يحكم بغير مـأنزل الله على اختلافهم يدّعون الديمقراطية لأنهم يرون أنها حكم الشعب لنفسه .

نرجع الى مسئلة تقسيم السلطات ، هذه السـلطة التي تملك السيادة يقسمونها الى ثلاث سلطات ، وهذا التقسيم ظهر لأول مرة في فرنسا أيضا  ودعا اليه بعض 
الفلاسفة .    

 دعوا الى الفصل بين السلطات وإلا أحدهم قد تستبد بالسلطة عن الأخرى ، قالوا :
 إن السلطة الأولى هي :

السلطة التشريعية: هذه عملها التشريع وسن القوانين المختلفة .

السلطة القضائية: السلطة القضائية بالنسبة للتشريعية هي التنفيذية [4]     
معناه أنها تنفذ ما تقررة السلطة التشريعية , فالتشريع يسن ويقرا أولا , ثم يتنقلمعناه أنها تنفذ ما تقررة السلطة التشريعية ، فالتشريع يسن ويقرا أولا  ثم يتنقل الى المحاكم لينفذ على أحاد القضايا ، والقاضي إذا خـالف ما سـنته السلطة التشريعية يكون حكمه باطل كما جرى مع القاضى المسكين الذي حكم في قضية شـرب خمر, بما أنزل الله فأبطلوا حكمه وفصلوه من القضاء لأنه مخالف للدستور الرسمي المكتوب .

السلطة التنفيذية: هذه مهمتها التنفيذ , أي تنفذ ما يحكم به القضاء واللوائح الاخرى, و تلتزم بالدستور, و تقسم اليمين الدستورية
هذا بأيجاز شديد هو الفصل بين السلطات كما يسمونه " [5]  

 " إن الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته ، وكمال ملكه وتصرفه ، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم ، فقال سبحانه :  { اتخذوا أحبَارَهُم ورُهبَانهُم أربَاباً  من دُون الله والمسيح ابنَ مَريَمَ وما أمِرُوا إلاّ ليَعبُدُوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سُبحانهُ عمّا يُشركُون } ( التوبة /31)  .
      فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جُعلوا مشرعين مع الله تعالى ، وسمى المتبعين عُبّاداً حيث أنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى.
 وقد قال عدي بن حاتم الطائي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم لم يعبدوهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم)    " .  [6]

المسألة الثانية ...آثار إقصاء الشرع عن حياة البشر

 " الدين منهج الله جاء ليسع الحياة كلها ، وينظم جميع أمورها : من أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة ، إلى بناء الدولة ، وسياسة الحكم ، وسياسة المال .. وشؤون المعاملات والعقوبات ، وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب ، ولهذا نجد كتاب الله الكريم يخاطب عباده المؤمنين بأوامر تكليفية ، وأحكام شرعية تتناول جوانب شتى من الحياة ، في سورة واحدة هي سورة البقرة نجد مجموعة من النكاليف كلها جاءت بصيغة واحدة : { كُتِب عليكُم } ، ولنقرأ هذه الآيات الكريمة :
 قال تعالى : { يا أيُّها الذين آمنُوا كُتِبَ عليكُمُ القِصاصَ في القتلى } ( البقرة / 178).

وقال : { كُتِب عليكُم إذا حضر أحدكُمُ الموتُ إن ترك خيراً الوصيّةُ للوالدين والأقربين } ( البقرة/180)  .

وقال : { يا أيُّها الذين آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصّيامُ } (البقرة/183) .

وقال : { كُتِبَ عليكُمُ القِتالُ وهُو كُرهٌ لكُم} (البقرة/ 216) .

فهذه الأمور كلها : من القصاص ، والوصية ، والصيام ، والقتال ، مكتوبة من الله على عباده ، أي مفروضة عليهم ، فعليهم أن يعبدوا الله بالتزامها والإنقياد لها .
إن الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة .. لها أهميتها ومكانتها ، ولكنها ليست العبادة كلها ، بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله تعالى .

إن مقتضى العبادة المطالب بها الإنسان ، أن يجعل المسلم أقواله وأفعاله وتصرفاته وسلوكه وعلاقاته مع الناس وفق المناهج والأوضاع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ، يفعل ذلك طاعة لله و استسلاما لأمره .. والإحتكام إلى شرع الله ، والإنقياد إلى أحكامه من العبادة   " . [7]
 
  " لهذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه ؛ لأنه سبحانه المنزه عما يصيب البشر من الضعف، والهوى، والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم، اللطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة ؛ ليتحقق لهم العدل والخير والسعادة، بل والرضا والاطمئنان النفسي، والراحة القلبية ،
 ذلك أن العبد إذا علم أن الحكم الصادر في قضية يخاصم فيها هو حكم الله الخالق العليم الخبير - قبل ورضي وسلم، حتى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أن الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنه لا يرضى ويستمر في المطالبة والمخاصمة؛ ولذلك لا ينقطع النزاع، ويدوم الخلاف . .

ولا أعظم من الضنك الذي عاقب الله به من عصاه، ولم يستجب لأوامره، فاستبدل أحكام المخلوق الضعيف، بأحكام الله رب العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى؛ لينطق بالحق، ويفصل في الأمور، ويبين الطريق، ويهدي الضال، ثم ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من الناس أو نظام دولة من الدول، ألم يعلم هؤلاء أنهم خسروا الدنيا والآخرة فلم يحصلوا الفلاح والسعادة في الدنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة؛ لكونهم استحلوا ما حرم الله عليهم، وتركوا ما أوجب عليهم  . [8] 

  " إن إبعاد الشريعة الإسلامية عن الحياة هو إماتة للقلوب التي لا تحيا إلا بها , والناس بدونها {صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} (الحاقة/7) وجثثاً لا روح فيها، مهما بدت للعيان كأنها حية تأكل الطعام وتمشي في الأسواق؛ إذ الحياة على هذا النحو الفارغ من الإيمان هي مجرد حياة، كحياة من قال فيهم رب العزة:

 {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} (البقرة/96) 

إن أمة لا يحكمها شرع الله تعالى أمة غثاء ، ولن يصلح حالها  إلا أن تعود للإستجابة لله العزيز الحميد، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه التليد:
 {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال/24)
 فشرع الله يحيينا، وشرع البشر سم قاتل مميت. شرع البشر مزرعة للظلم وحمى للظالمين، شرع البشر ساحة تتفاقم فيها المعضلات وتتوالد فيها المآسي. شرع البشر شرع قاصر بقصور البشر، جاهل بجهل البشر، شرع محكوم بالهوى والنفعية والجهل.. ولا يستطيع الإنسان أن ينفك عما جُبِل عليه من هذه النقائص، إذ هي من نسيج مكوناته وصنعته، ومِلاط بنيته وطِلاء واجهته.. وهذا ما يجعل شرع الإنسان يحمل كل النقائص الطابعة لفطرته، ولا يرجى الكمال من ناقص، وفاقد الشيء لا يعطيه . 

ومما هو معطل من شرع الله تعالى والذي هو أحد أسباب الحياة: القصاص. وتعطيل القصاص وحده يكفي لإشاعة الفوضى والجريمة والانتقام والثأر بين الناس. وهذا الإقصاء في صورته الجزئية هذه باب من أبواب الموت للمجتمعات والأفراد.


 قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة/179)،
 إذن فليس في تعطيل مصدر الحياة هذا سوى جلب للموت المحتوم. " [9]  
    
 " إن دوافع السلوك في المجتمع الإسلامي الذي تهيمن عليه العقيدة تتأثر كثيراً بالتطلع إلى ما عند الله … إلى الجزاء الأخروي ، وصفوة المؤمنين لا يشركون دوافع أخرى في سلوكهم ، إذ لا بد من إخلاص النية لله تعالى في كل أعمال المسلم سواء كانت جهاداً بالنفس أو نشاطاً إجتماعياً أو إقتصادياً أو سياسياً ، فنشاط المسلم في كل مجالات الحياة يدور حول محور " إرضاء الله تعالى " ويعرف المسلم أنه إذا اشرك في نيته فإنه يحبط عمله كما في الحديث الشريف :" إن الله لا يقبل من العمل إلا ماكان خالصاً له وابتغى به وجهه " .[10] 
    
ولكن الله يعلم : أن هذه الدوافع - أو سمها الشهوات - لا تصلح أن يستجيب لها الإنسان إلى آخر المدى ، لأنها عندئذ تدمره بدلا من أن تعينه على أداء مهمته ، فرسم [11]  للاستمتاع بها حدوداً معينة ، وقال : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا }(البقرة /187) و { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا }(البقرة/229)  وجعل موضع الابتلاء هو هذا : هل يستجيب الإنسان للأمر الرباني ، فيلتزم في تناوله للمتاع بالحدود التي حددها الله ؟ أم يتجاوز الحدود رغبة منه في مزيد من المتاع ؟  . " [12]  


  من كتاب العصرانيون لمحمد حامد الناصر  [1]
2] انظر تاريخ الدولة العثمانية / على حسون ... من كتاب العصرانيون لمحمد حامد الناصر  ]
[3]  قراءة في دساتي الغربيين ... الشيخ سفر الحوالي 
[4] بدا لي أن هناك تشابه أو لبس في الكلام ، قد يكون في  النقل  لكلام الشيخ ،... والصحيح أن وظيفة السلطة القضائية في القوانين الوضعية هو حل النزاع في حال نشوبه داخل السلطة التنفيذية ، أو داخل السلطة التشريعية ، أو بينهما .. والله أعلم .    
5]قراءة في دساتير الغربيين ... الشيخ سفر الحوالي       ]
قول العلامة محمد بن صالح العثيمين في كتاب فتنة التكفير ... للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني  [6]
انظر كتاب مقاصد المكلفين ... د. عمر سليمان الأشقر   [7]
[8] مقال للشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله .. من موقعه على الإنترنت 
  العلمانية ذلك الشرك الأكبر ... محمد بن محمد الفزازي ( مقالات على الإنترنت ) . [9]
السيرة النبوية الصحيحة/ ج2 ... د.أكرم ضياء العمري . [10]
[11] كان أصح لو استعمل المؤلف لفظ " حدَّ " أو  " وضع " لأن الله سبحانه وتعالى لم يثبت لنفسه صفة الرسم ، فلا  نثبت إلا ما أثبت الله لنفسه .   
حول تطبيق الشريعة ... محمد قطب. [12]
 
 
 
    
   
    







  ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق