سبتمبر 08، 2011

العـــــــلمانيـــــــة .. المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
     الحمد لله الذي هدى عباده المؤمنين إلي توحيده وشرعه وهو اللطيف الخبير ، وأضل عباده المستكبرين بعدله وحكمته ، وأسبغ علي المؤمنين نعمه ظاهرة وباطنة، فله الحكمة البالغة في خلقه وأمره ، الذي أحسن كل شيئ خلقه فلا يخلق شيئاَ عبثاً ، ولا يشرع شيئاً سدى الذي له الحكم في الأولى والآخرة فيحكم بين عباده في شرعه وقدره وجزائه لا يشاركه في ذلك أحداً  [1]  


   فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، أحاط بعلمه كل شيء ، ووسعت رحمته كل شيء ، تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً وتقدست أسمائه عن كل عيب ونقص ، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو بصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك البر الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن محمداً إمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين ومن والاه الي يوم الدين وسلم تسليماً كثيراًأما بعد
يقول الله تعالى :{‏  وإن تعُدّوا نِعمة الله لا تُحصُوها } ( النحل .. آية 18)
لقد خلق الله الخلق أجمعين ، فبرأهم وسواهم وصورهم بفضله وحكمته ، وأنعم عليهم بنعمه الظاهرة والباطنة ، و إن من أجل نعمه على عباده أنه لم يتركهم هملاً بعد أن خلقهم ، بل هداهم إلى الحق بإرساله الرسل تُرشدهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة .


وبعث لهم محمداً - صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين ، بعد أن ضاعت معالم الرسالات السماوية السابقة ، وتحرفت معالمها ، وخفت إشعاعها ، وضعُف أثرها في الحياة الإنسانية ، فكانت رسالته تجديداً لدعوة التوحيد التي بُعث بها سائر الأنبياء والمرسلين ، وتعديلاً للشرائع السابقة وإكمالاً لها ، بعد أن ارتقت البشرية وتفتحت عقولها وتهيأت نفوسها لاستقبال الرسالة الخاتمة بكل جوانبها الروحية والإجتماعية . [2]  

يقول المولى جل في علاه }:   لكُل جعلنا منكُم شِرعةً ومِنهاجاً { (المائدة / 48)  

فختم الله رسالاته " بالإسلام " ذلك " المنهج الرباني " الذي  يُقرب  لإدراك الإنسان طبيعة الحقائق الكبرى التي يتعامل معها وطبيعة العلاقات والإرتباطات بين هذه الحقائق : حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية .. وما بينهما من تعامل وإرتباط ، ذلك المنهج الذي  يُوضح ويُعرّف الإنسان حقيقة مركزه في هذا الوجود الكوني ، والغاية من وجوده الإنساني .  [3]

إعلم بأن الله جل و علا             لم يترك الخلق سدى وهملا
بل خلق الخلق ليعبدوه                وبالإلهية يفردوه
أخرج فيما قد مضى من ظهر        آدم ذريته كالذر
وأخذ العهد عليهم أنه                لا رب معبود بحق غيره
وبعد هذا رسله قد أرسلا            لهم وبالحق الكتاب أنزلا
لكي بذا العهد يذكروهم            وينذروهم ويبشروهم
كي لا يكون حجة للناس بل        لله أعلى حجة عز وجل
فمن يصدقهم بلا شقاق             فقد وفى بذلك الميثاق
وذاك ناج من عذاب النار           وذلك الوارث عقبى الدار
ومن بهم وبالكتاب كذبا            ولازم الإعراض عنه والإباء
فذاك ناقض كلا العهدين            مستوجب للخزي في الدارين [4]

  إن انتقاص منهج الله في شعيرة ، أو أمر من الأمور التي شرعها الله ، يعني الاعتقاد بأنه منهج ناقص قاصر ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والدين الإسلامي منهج متكامل يقوم أساساً على قاعدة الإيمان بالله وحده ، وأن محمداً رسول من عنده ، إيماناً واضحاً يكون من مقتضاه الاستسلام لله سبحانه ، ونزع كل عبودية لغير الله في كل شؤون الحياة العامة والخاصة . [5]

 لقد دأب دعاة الباطل منذ أن أشرقت رسالة خاتم النبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -  على البشرية في محاولات لإبعاد المسلمين عن صراطهم المستقيم باضلالهم عن شرعهم القويم بكافة الوسائل والطرق ، ولقد كان مقدار نجاحهم في مساعيهم الباطلة مرتبط إرتباط وثيق بمدى رسوخ العقيدة السليمة في نفوس المسلمين وبتطبيقهم  لشرعهم في كل كبيرة وصغيرة ، وكل عامة وخاصة ، في الظاهر والباطن .

 ولقد حاولوا تمرير سهامهم السامة لهذه الأمة ، ولكنها ما استطاعت أن تفي بالغرض المطلوب ، إلى أن ضعف المسلمون ضعفاً روحياً شديداً ، فلا سعة في العلم ولا حماسة في الدعوة  ، وركون إلى الدنيا ، وإنغماس في الملذات والشهوات ...  فعندها وجد أهل الباطل ضالتهم ومنفذهم ، فوجهوا سهامهم مجتمعين ووحدوا قواهم وخرجوا " بظاهرة جديدة " ألبسوها على المسلمين باسم التقدم والحضارة والمدنية ، فخطف ظاهرها البراق أعينهم واستحسنتها عقولهم فشربتها قلوبهم ، ولم يعووا لما يحمله باطنها من دمار لا يقتصر على أمة الإسلام ، بل يتعداه لخراب البشرية  جمعاء ، ألا وهي ... " العَـــــــــلمَانـِّية " .

 إن ظاهرة " العلمانية " تعد من أخبث وأخطر الظواهر التي تواجه المسلمين في عصرهم الحاضر ، حيث يراد لهذه الظاهرة أن تمحو شريعة الله من الأرض وتقصيها من واقع حياة المسلمين ، وتشتت ولاءهم الموحد إلى ولاءات جاهلية متعددة .[6]

  وما هذا المبحث بصدد التحدث عنه هو عرض لهذه الظاهرة الخبيثة مع بيان أهم مخاطرها وآثارها السلبية على أمة الإسلام ، ثم حكم الشرع فيها وواجب المسلم منها .

 ولقد وقع إختياري على هذا الموضوع لسبب رئيسي وهو ضرورة معرفة المسلم بكل ما يخطط له أعدائه بهدف إضلاله وإبعاده عن الحق وعن المنهج الذي ارتضاه له رب العالمين ، وضروره الحذر من الفتن التي أطلت برأسها .. وما العلمانية إلا إحدى تلك الفتن الفتاكة التي أصيبت بها أمة الإسلام .

  ولقد قمت خلال البحث بمحاولة لربط العلمانية كنظام أو مفهوم بالواقع الذي فرضه على العالم ، عن طريق عرض للأحداث التي صاحبت ظهور هذه الفكرة أو الحركة والأسباب التي دعت لقيامها ، والقوى التي دعمتها وروجت لها ومن ثم آثارها السيئة على المجتمعات التي تبنتها ، وأقتصر الحديث في ذلك على المجتمع الإسلامي ، ومن ثم واجب المسلم تجاهها .


وبعد ... فإني أشكر الله وأحمده تيسيره وتسهيله لي العمل في هذا البحث.
   ولا أدعي أنني قد تعرضت للموضوع من كل جوانبه ، ولكن حاولت عرض أهمها .فما كان من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله منه برئ .  


انظر كتاب " صفات رب العالمين " ...  لعلى محمد المصراتي  [1]              
[ السيرة النبيوية الصحيحة ... للدكتور أكرم ضياء العمري فتح الله عليه    [2
  انظر كتاب " خصائص التصور الإسلامي " ... سيد قطب رحمه الله   [3]  
     معارج القيول ... الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي    [4]   
 من خطب المسجد الحرام ... الردة في ثوبها الجديد  [5]   
انظر خطب المسجد الحرام ... الردة في ثوبها الجديد   [ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق