سبتمبر 08، 2011

المطلب الرابع : دعاة العلمانية الحديثة ورموزه



المطلب الرابع
دعاة العلمانية الحديثة ورموزها

المسألة الأولى ... العلمانية الحديثة

قال الله تبارك وتعالى في وصفه لبني يهود ...
     { وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } (المائدة/64)

 لابد لنا في الحديث عن العلمانية الحديثة من ذكر القوة التي دفعت بها أن تنحى هذا المنحى الكفري الإلحادي . فالعلمانية الناشئة كما سبق في الحديث عن نشأة العلمانية لم تكن تهدف إلى تنحية الدين و عزله  بالكلية عن التأثير على كافة مناحي الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسة  ، إنما كان مطلبها التخلص من سيطرة و سلطان الكنيسة التعسفي لكي ينطلق العلم .

" حين قامت النهضة الأوربية الحديثة وما استتبعها من قيام الثورة الفرنسية على أساس لا ديني، فرحت بها اليهودية العالمية أيما فرحة ، فذلك نصف الطرق نحو تحطيم المسيحية ( ومن ثم الإسلام والتحاكم لله ممثلاً بالخلافة الإسلامية ) خصمها القديم ... وقامت تنفخ في هذا الإتجاه من وراء الستار. "  [1]

 يقول الداعية الأستاذ محمد قطب : " من الحق أن نقول إن اليهود ليسوا هم الذين أنشأوا الفرقة بين أوربا وبين المسيحية ، فقد قامت الفرقة بالفعل منذ قيام النهضة دون تدخل من اليهود ( وإن كان ذلك قد جاء على هواهم بلا شك ، ولأنهم عملوا على توسيع الهوة بينهما ) وقام الخصام والصراع على يدي دارون[2] دون تدخل منهم كذلك ( يقول كتاب برتوكولات حكماء صهيون في ذلك : " إن دارون ليس يهودياً ، ولكنا عرفنا كيف ننشر آراءه على نطاق واسع ، ونستغلها في تحطيم الدين " ) ... ولكن الدور الذي قاموا به مع ذلك كان شديد الخطورة .
 قامت الفرقة بين الدين والعلماء ، وبين الدين والمفكرين ، وبين الدين ودعاة الحرية ، وبين الدين والمرأة الراغبة في اقتحام المجتمع و" الإستمتاع " بالحياة ... ولكن الإبتعاد عن الدين ، أو النفور منه ، أو الإكتفاء بإهماله والإنصراف عنه كان حتى ذلك الحين " مزاجاً شخصياً " ( يحتاج الإنسان معه إلى تقديم الأعذار ) لأصحابه ، يصنعونه لحسابهم الخاص كأفراد .

   ...  ولكن " العلماء " اليهود الثلاثة ( وسيأتي ذكرهم بعد قليل ) تدخلوا في الأمر ليجعلوا من كل ذلك نظرية يسندها  العلم  ، ويعطيها سند " الحقيقة العلمية " في أنظار الجماهير ، فلا يعود الأمر بعد مزاجاً شخصياً يحتاج الإنسان الإعتذار عنه ، وتلمس المبررات له ، وإنما يعود واجبا ً يقتضيه التقدم العلمي ، لا يحتاج إلى مبرر آخر ، فهو يبرر نفسه بنفسه ... ولا يُعتذر عنه فهو في غير حاجة إلى اعتذار ... بل الذي يحتاج إلى التبرير والإعتذار هو التمسك بالدين والأخلاق والتقاليد ... فهي تهمة ينبغي التبرؤ منها أو تقديم المبرر المعقول !! 

 وذلك هو الدور الخطير الذي قام به ( العلماء اليهود الثلاثة ) ماركس وفرويد ودركايم ... كل في اختصاصه .. وأثر تاثيراً بالغاً في الفكر الغربي كله في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ." [3]  

   ويستطرد قائلاً : " اتخذ اليهود الثلاثة نواحي مختلفة من الفكر ، فكتب ماركس في الإقتصاد وفرويد في علم النفس ، ودركايم في علم الإجتماع ... ولكنهم في النهاية يلتقون في عدة أمور .

 لقد أخذوا كلهم ، بادئ ذي بدء ، من النظرية الداروينية فكرة حيوانية الإنسان و ماديته ، فمدوها ووسعوا نطاقها ، وعمموا إيحاءاتها المسمومة في كل مكان ... فأخذوا على عاتقهم أن ينفخوا في إنحرافات أوربا بقوة وعنف ، وإصرار وتمكن ، حتى تزيد الهوة اتساعاً وتشتد سرعة الإنزلاق ."[4]

المسألة الثانية ... رموز العلمانية الحديثة
ماركس .. وعلم الإقتصاد [5]

أما ماركس ...  فقد كان ميدان بحثه علم الإقتصاد ، ولكنه لم يقصر بحثه على دراسات أكاديمية في علم  الإقتصاد ، وإنما وضع مذهباً كاملاً ، يتناول تصور معين للحياة من زاوية معينة ، يتمثل فيها الإيحاءان الدارونيين ( الإيحاء بالتطور الدائم والإيحاء بحيوانية الإنسان وماديته ) متصلين متصاحبين .... فهو قد وطد أركان التفسير المادي للتاريخ ، وهو تفسير يجعل للقوى المادية السلطان الأكبر على نشاط الإنسان كله ، كما يجعل هذا النشاط مادياً بصفة أساسية ، ومنبعثاًعن الكيان الحيواني للإنسان .
فتمثلت نظريته في أنه ..

أولاً ... لا دين .
فالدين اسطورة ابتدعها أصحاب المصالح هنا في الأرض ، ولا علاقة له بالسماء ولا رصيد له من الحقيقة ... ففي ظل التفسير المادي للتاريخ لا يوجد الله .. ولا الوحي .. ولا الرسالات .

ثانياً ..لا قيم ولا أخلاق .
فالقيم ليس لها وجود ذاتي ، إنما هي إنعكاس للأوضاع الإقتصادية ، وليس لها ثبات لأن مصدرها - وهو الأوضاع الإقتصادية - دائم التغيير  .

 وانتشر الإيحاء المسموم على يد ماركس فدخل كل الحياة الغربية على الإتساع .. ومع أن روسيا وحدها - في بدء الأمر - هي التي اعتنقت المذهب الشيوعي كاملاً  وأعطته قوة التطبيق ، إلا أن الغرب كله - الذي لم يصبح شيوعياً من حيث المذهب - قد أخذ مع ذلك بالتفسير المادي للتاريخ .

دركايم .. وعلم الإجتماع [6]

وأما دركايم ... فإن ميدان بحثه كان علم الإجتماع ، فهو لا يعترف بأن الكيان النفسي للفرد هو أساس الحياة الإجتماعية ، بل يرى أن الحياة الإجتماعية هي التي تشكل مشاعر الفرد ،  و أن الحياة البشرية لا يمكن أن تفسر عن طريق نفسية الفرد وطبيعته وكيانه الفردي ، إنما يفسرها وجود " العقل الجمعي " خارج نطاق الأفراد . 
ولقد أخذ دركايم عن دارون :
  •  فكرة التطور الدائم الذي يلغي فكرة الثبات .
  •   فكرة " القهر الخارجي " الذي يقهر الفرد على غير رغبة ذاتية منه ، فيطوره .  
  •  فكرة التفسير الحيواني للإنسان. 

 يقول داركايم ( في كتابه قواعد في علم الإجتماع ) : " أن بعض هؤلاء العلماء يقول بوجود عاطفة دينية فطرية لدى الإنسان ، وبأن هذا الأخير مزود بحد أدنى من الغيرة الجنسية والبر بالوالدين ومحبة الأبناء ، وغير ذلك من العواطف . وقد أراد بعضهم تفسير نشأة كل من الدين والزواج والأسرة على هذا النحو . ولكن التاريخ يوقفنا على أن هذه النزعة ليست فطرية في الإنسان ... إلى أن قال : حينئذ فإنه يمكن القول بناء على الرأي السالف بأنه لا وجود لتفاصيل القواعد القانونية والخلقية في ذاتها ، إذا صح هذا التعبير .. ومن ثم من الممكن ، تبعاً لهذا الرأي ، أن تصبح مجموعة القواعد الخلقية التي لا وجود لها في ذاتها موضوعاً لعلم الأخلاق ".

فالدين .. والزواج .. والأسرة .. والقواعد الخلقية في مفهوم دركايم ،  ليست شيئاًَ فطرياً ولا وجود لها في ذاتها بل يقوم بها الفرد بدافع قهري من الخارج على غير رغبة منه ولا استعداد فطري . 

فرويد .. وعلم النفس

 ” وأما فرويد  ... فإن ميدان بحثه هو النفس البشرية  ..هو المشاعر والإنفعالات .. هو العالم " الداخلي " في مواجهة العالم " الخارجي " الذي تحدث عنه ماركس ، فالنفس في نظره هي الميدان الأصيل للحياة ، عن تركيبها الذاتي تنبثق الأفكار والأفعال والمشاعر ، وتتحول إلى وقائع عملية في واقع الحياة .... ففرويد لم يأخذ من دارون جانب التطور ، وإنما أخذ منه حيوانية الإنسان .
  فقد فسر الحياة النفسية للإنسان والسلوك البشري ليس على أنه حيواني فحسب بل أن المسيطر على كل أفعال الإنسان هو الجنس ، فكان بذلك أفحش وأخطر في تلويثه لتلك النفس والإنحطاط بها إلى الحضيض من ماركس .

 وفي أثناء هذه الجولة الواسعة في باطن النفس (بالباطل)، وفي التاريخ ( تار النفس البشرية) وجه إيحاءه المسموم المستمد من دارون إلى نقطتين مركزيتين هما :
الدين والأخلاق ... فسعى إلى تلويثهما بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ كله ." [7]
  لقد كان لنظريات فرويد في علم النفس أثر خطير ، لم يقف عند المباحث النفسية ، والتربية والتعليم ، بل تعدها إلى كثير من نواحي النشاط الإنساني ، فأثر في الأدب والفنون العامة ، وفي الطب ، وفي التجارة ، وغيرها من شؤون الحياة , ولكن أخطر آثاره وأعنفها كان في الحياة الإجتماعية ، في أوربا وأمريكا ، ثم في الشرق عن طريق العدوى والتقليد . [8]
    كما نشأت من إيحاءات فرويد لون من الإعتقاد " بالجبرية " ، ولكنها ليست الجبرية الدينية [9]، ولكنها جبرية نفسية يؤمن أصحابها بأن الإنسان مسيّر لأن غريزته هي المسيطرة عليه ، وهي التي توجه السلوك دون أن تدع للفرد مجالاً للإختيار .
   ومن الإيمان بهذه الجبرية حدثت تطورات كبيرة في المجتمع الغربي ، فحطمت تقاليده وأخلاقه ، وأثرت في قوانينه كذلك ، فأطلقت العنان للفرد في المسألة الجنسية يصنع ما يشاء بلا حظر ولا عقاب ، لأنه مسكين معذور .. مجبر على ما يفعل . وليس أمامنا إذا منعناه إلا نتيجة واحدة ، هي الكبت المدمر للأعصاب !![10]
 
  وقد أحدثت نظريته في العقل الباطن ، وفي التفسير الجنسي لمختلف نواحي السلوك الإنساني ، إنقلابات جديدة خطيرة في المجتمع وفي الحياة . وعل الرغم من ظهور نظريات أخري جديدة في علم النفس ، وبخاصة في امريكا ، إلا أن مفعول نظريته مازال يسري في الأفراد والمجتمعات [11]، وما يزال هو الدافع لكثير من الحركات الفكرية هنا وهناك . [12]

وقد جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون " : يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا .. إن فرويد منّا ، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيئ مقدس ، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية ، وعندئذ تنهار أخلاقه ." [13]

 ومن حصيلة هذا كله حدثت حركات ضخمة في المجتمع الغربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين  .

 لقد التقت " توجيهات " العلماء الثلاثة ، وغيرهم بطبيعة الحال ولكنهم هم في المقدمة ، التقت عند نقط رئيسية متصلة ومتصاحبة : 
  •  الحملة على الدين والأخلاق والتقاليد ، ونفي القداسة عنها ، وتشويه سمعتها أو التشكيك في قيمها . 
  •  القيام بهذه الحملة باسم " العلم " والبحث العلمي .
  • الربط بين التحلل الديني والإنحلال الخلقي وبين " التطور ".
  •  الإيحاء بان هذا التحلل والإنحلال أمر " حتمي " لا قبل لأحد بوقفه من طريقه المحتوم .
  تقول بروتوكولات حكماء صهيون : " لقد رتبا نجاح دارون و ماركس و نيتشه بالترويج لآرائهم ، وإن الأثر الهدام للأخلاق الذي تنشئه علومهم في الفكر غير اليهودي واضح لنا بكل تأكيد " . [14]

ونخلص من هذا إلى أنه وإن لم يتأكد لنا بالدليل أن بني يهود كانوا وراء حركة الإصلاح الديني أو العلمانية الناشئة إلا أنه و من المؤكد أنهم كانوا وراء الثانية بتقييد رجالهم وعلمائهم لها ، وبترويجهم لأفكار " وأبحاث " هؤلاء العلماء .


 ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه..ما الهدف من ذلك ؟؟ وما الغاية من وراءه ؟؟

وتأتي الإجابة عن هذا السؤال في المبحث الثاني .


انظر التطور والثبات في الحياة البشرية ... محمد قطب  [1]
  [2] تشارلز دارون .. صاحب نظربة التطور والذي ظهر له كتاب أصل الأنواع سنة 1859م   الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين ، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها . وهذا النظرية التي أدت الى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد وقد استغل  اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث .  
انظر التطور والثبات في الحياة البشرية ... محمد قطب  [3]
  المصدر السابق     [4]
  المصدر السابق  [5]
انظر المصدر السابق    [6]
انظر التطور والثبات في الحياة البشرية ... محمد قطب  [7]
   الإنسان بين المادية والإسلام ... محمد قطب [8]
   المقصود بها بدعة الجبرية التي تقول بأن الإنسان مجبور على أفعاله ، وأنه مُسيّر وليس مُخيّر .      [9]
  انظر المصدر السابق [10]
    11] من العجيب أنه إلى الآن مازالت الجامعات العربية تدرس نظرية فرويد في البحوث النفسية، ونظرية داركايم في علم الإجتماع ،   ونظرية ماركس الإشتراكية والشيوعية ، ونظرية فريزر في علم مقارنة الأديان ... واليوم يُدرَّس  في القاهرة في الجامعة الأمريكية    
  Scientific thinking    "التفكير العلمي " 
الذي يركز على فرويد واينشتاين ودارون ، متناولا نظرياتهم تأصيلا ونقدا .. أما آن لقومي أن يفيقوا من غفلتهم , فياليت قومي  يعلمون  !  
  المصدر السابق   [12]
انظر التطور والثبات في الحياة البشرية ... محمد قطب  [13]
   المصدر السابق   [14]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق