سبتمبر 08، 2011

المبحث الثالث : الآثار السلبية للعلمانية على الأمة الإسلامية


المبحث الثالث
الآثار السلبية للعلمانية على الأمة الإسلامية

المطلب الأول
إفساد العقائد الإسلامية

  
المسألة الأولى ... إفساد عقيدة الولاء والبراء[1] 

 إن كلمة " لا إله إلا الله " بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حس الناس اليوم - إلا من رحم الله - ، ومن هذه المفاهيم بل وأهمها موضوع " الولاء والبراء " .

ذلك أن الولاء والبراء .. هما الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة ... ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحق الولاء والبراء ممن يستحق البراء .

 يقول الله تعالى :{يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهُم منكم فإنّهُ منهُم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}( المائدة /51)

وقد قال أحد العلماء  - وهو الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله - : " إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم - أي الولاء والبراء -  بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده " .

تعريف الولاء في اللغة :
 جاء في " لسان العرب" : الموالاة -  كما قال ابن الأعرابي - : أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح ، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه . ووالى فلان فلاناً : إذا أحبه .

تعريف البراء في اللغة :
 قال ابن الأعرابي : برئ إذا تخلص ، وبرئ إذا تنزه وتباعد ، وبرئ إذا أعذر وأنذر ، ومنه قوله تعالى : { برآءةُ مِنَ اللهِ وَرَسوُلِهِ }( التوبة /1) .
  
تعريف الولاء بالمعنى الإصطلاحي : 
الولاية هي النُصرة والمحبة والإكرام والإحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطن.

 قال تعالى : { الله وليُّ الذين آمنوا يُخرجُهُم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤُهُمُ الطّاغوتُ يُخرجونهُم من النّور إلى الظُلُمات }  ... ( البقرة / 257 )

فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الود لهم ، بالأقوال والأفعال والنوايا .

تعريف البراء بالمعني الإصطلاحي :
هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار والإعذار .

 ولقد قامت الأمة الإسلامية البشرية دهراً طويلاً حيث نشرت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة ، وأخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة .

ثم ما الذي حدث ؟ 

  • لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء بعد أن تركت الجهاد وأخذت بأذناب البقر
  • تراجعت بعد أن زهدت في الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام
  • تبعت الأمم الأخرى بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون
  •  تبلبلت أفكارها بعد أن خلطت نبعها الصافي بفلسفات الجاهلية والهرطقة البشري 
  • دخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين واطمأنت إليهم ، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها فخسرت الدنيا والآخرة .
وبرزت صور موالاة الكفار في أمور شتى منه:


  1.   محبة الكفر وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله ، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض ، ورميها بالقصور والجمود ، وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري .
  2.  ومنها : استيراد القوانين الكافرة - شرقية كانت أم غربية -  وإحلالها محل الشريعة الغراء ، وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بـ " التعصب والرجعية والتخلف " !
  3. ومنها : التشكيك في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والطعن في دواوينها الكريمة و الحط من قدر أولئك الرجال والأعلام الذين خدموا هذه السنة التي وصلت إلينا .
  4. قيام دعوات جاهلية جديدة تعتبر ردة جديدة في حياة المسلمين ، مثل " دعوة القومية الطورانية ، والقومية العربية ، والقومية الهندية ، و ... و... إلخ .
  5.  إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم ، وبث سموم الفزو الفكري في المناهج والوسائل لإعلامية بكل أصنافها .

قال الله تعالى:{يا أيُّها الذين امنوا لا تتخذوا عدُوي وعدُوّكُم أولياء تلقون إليهم بالمودّة}( الممتحنة / 1)
فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ، ويبغضه ويسخطه ، ويأمر به وينهى عنه ، كان المعادي لوليه معادياً له .

 وقد ورد عن ابن - عباس رضي الله عنهما - قوله:"من أحب في الله ، وأبغض في الله ووالى في الله ، وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك ، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس  على أمر الدنيا ، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً" . 

وحيث أن الولاء والبراء تابعان للحب والبغض ، فإن أصل الإيمان أن تحب في الله أنبياءه وأتباعهم ، وتبغض في الله أعداءه وأعداء رسله ... ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالرجوع إلى الله والإجتماع على الحب فيه والبغض فيه والولاء له والبراء ممن أمرنا الله بالبراء منه ، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
 
المسألة الثانية ... الدعوة إلى وحدة الأديان [2]

يتحدث الشيخ بكر أبو زيد عن ظاهرة وحدة الأديان فيقول :

        " وذلك فيما جهرت به اليهود والنصارى، من الدعوة الجادة إلى نظرية الخلط بين الإسلام وبين ما هم عليه من دين محرف منسوخ" وزرع خلاياهم في أعماق الإسلام في كل صقع ودار، وصهر المسلمين معهم في قالب واحد فلا ولاء، ولا براء، ولا تقسيم للملأ إلى مسلم وكافر أبدا، ولا لتعبدات الخلائق إلى حق وباطل. ونصبوا لذلك مجموعة من الشعارات وصاغوا له كوكبة من الدعايات، وعقدوا له المؤتمرات، والندوات، والجمعيات، والجماعات، إلى آخر ما هنالك من مخططات وضغط، ومباحثات ظاهرة، أو خفية، معلنة، أو سرية، وما يتبع ذلك من خطوات نشيطة، ظهر أمرها وانتشر وشاع واشتهر .

           إن الدعوة إلى هذه النظرية الثلاثية : تحت أي من هذه الشعارات : إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع ، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر كل منهما بين النسخ والتحريف ، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة : " بغض الإسلام والمسلمين " . وغلفوها بأطباق من الشعارات اللامعة ، وهي كاذبة خادعة ، ذات مصير مروع مخوف . فهي في حكم الإسلام : دعوة بدعية ، ضالة كفرية ، خطة مأثم لهم ، ودعوة لهم إلى ردة شاملة عن الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع بدهيات الاعتقاد ، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات ، وتبطل صدق القرآن ، ونسخه ما قبله من الكتب ، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع ، وتبطل ختم نبوة محمد والرسالة المحمدية - عليه الصلاة والسلام - فهي نظرية مرفوضة شرعاً ، محرمة قطعاً بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسنة ، وإجماع ، وما ينطوي تحت 
ذلك من دليل ، وبرهان .

 لهذا : فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً ، الاستجابة لها ، ولا الدخول في مؤتمراتها ، وندواتها ، واجتماعاتها ، وجمعياتها ، ولا الانتماء إلى محافلها ، بل يجب نبذها ، ومنابذتها ، والحذر منها ، والتحذير من عواقبها ، واحتساب الطعن فيها ، والتنفير منها ، وإظهار الرفض لها ، وطردها عن ديار المسلمين ، وعزلها عن شعورهم ، ومشاعرهم والقضاء عليها ، ونفيها ، وتغريبها إلى غربها ، وحجرها في صدر قائلها ، ويجب على الوالي المسلم إقامة حد الردة على أصحابها ، بعد وجود أسبابها ، وانتفاء موانعها ، حماية للدين ، وردعاً للعابثين ، وطاعة لله ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وإقامة للشرع المطهر .
 وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الدعوة : أنها فلسفية النزعة ، سياسية النشأة ، إلحادية الغاية  تبرز في لباس جديد لأخذ ثأرهم من المسلمين : عقيدة ، وأرضاً ، وملكاً ، فهي تستهدف الإسلام والمسلمين في:
  1.   إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام ، والبلبلة في المسلمين ، وشحنهم بسيل من الشبهات ، والشهوات ؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة ، ونفس حاضرة .  
  2.   قصد المد الإسلامي ، واحتوائه . 
  3. تأتي على الإسلام من القواعد ، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه ، ووهن المسلمين ، ونزع الإيمان من قلوبهم ، وَوَأدِه .
  4. حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه ؛ لإحلال الأخوة البلدية اللعينة : " أخوة اليهود والنصارى " .
  5. كف أقلام المسلمين ، وألسنتهم عن تكفير اليهود والنصارى وغيرهم ، ممن كفرهم الله ، وكفرهم رسوله صلى الله عليه وسلم - إن لم يؤمنوا بهذا الإسلام ، ويتركوا ما سواه من الأديان .  
  6. وتستهدف إبطال أحكام الإسلام المفروضة على المسلمين أمام الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أمم الكفر ممن لم يؤمن بهذا الإسلام ، ويترك ما سواه من الأديان .  
  7. وتستهدف كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام : الجهاد في سبيل الله ، ومنه : جهاد الكتابيين ، ومقاتلتهم على الإسلام ، وفرض الجزية عليهم إن لم يسلموا .
  8. والله - سبحانه وتعالى - يقول: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } ( التوبة / 29 ) . 
  9.   وتستهدف هدم قاعدة الإسلام ، وأصله : " الولاء والبراء " و " الحب والبغض في الله " ، فترمي هذه النظرية الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين ، ومفاصلتهم ، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم ، والبعد عن موالاتهم ، وتوليهم ، وموادتهم ، وصداقتهم .
وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب وحدة الأديان ، وتفسيخ العالم الإسلامي من ديانته ، وعزل شريعته في القرآن والسنة عن الحياة ، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر ، والأخلاقيات الهدامة ، مفرغاً من كل مقوماته ، فلا يترشح لقيادة أو سيادة ، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا عليه أعدائه ، وأعداء دينه ، وحينئذٍ يصلون إلى خسة الغاية : القفز إلى السلطة العالمية بلا مقاوم . 
10. وتستهدف إسقاط جوهر الإسلام ، واستعلائه ، وظهوره وتميزه ، بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التحريف والتبديل ، في مرتبة متساوية مع غيره من كل دين محرف منسوخ ، بل مع العقائد الوثنية الأخرى .
11. وترمي إلى تمهيد السبيل : " للتبشير بالتنصير " والتقديم لذلك بكسر الحواجز لدى المسلمين ، وإخماد توقعات المقاومة من المسلمين ؛ لسبق تعبئتهم بالاسترخاء ، والتبلد .
12. ثم غاية الغايات : بسط جناح الكفرة من اليهود ، والنصارى ، والشيوعيين ، وغيرهم على العالم بأسره ، والتهامه ، وعلى العالم الإسلامي بخاصة ، وعلى الشرق الأوسط بوجه خاص ، وعلى قلب العالم الإسلامي ، وعاصمته : " الجزيرة العربية " بوجه أخص ، في أقوى مخطط تتكالب فيه أمم الكفر وتتحرك من خلاله ؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ : الفكري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والسياسي ، وإقامة سوق مشترك ، لا تحكمه دولة الإسلام ، ولا سمع فيه ، ولا طاعة لخلق فاضل ولا فضيلة ، ولا كسب حلال ، فيفشو الربا ، وتنتشر المفسدات ، وتدجن الضمائر ، والعقول ، وتشتد القوى الخبيثة ضد أي فطرة سليمة ، وشريعة مستقيمة . وما " مؤتمر السكان والتنمية " المعقود بالقاهرة في : 29 / 3 / 1415 و " المؤتمر العالمي للمرأة " المعقود في بكين عام 1416 . إلا طروحات لإنفاذ هذه الغايات البهيمية . "  

***



 الولاء والبراء في الإسلام  ... محمد بن سعيد القحطاني   انظر كتاب  [1]
 2 ]  انظر الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان  ... للشيخ / بكر بن عبد الله أبو زيد  [2]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق