المطلب
الثاني
ظهور دعاة التجديد أو " العصرانيون "
(
طلع علينا عدد من الكتاب خلال النـصـف الـثـانـي مـــن القرن
العشرين، وتجمعوا تحت شعارات براقة مثل: الدعوة إلى " الفكر الديني المستنير
" ، و" شـعـار الاستنارة " وطلعت علينا أسماء رنانة يحمل كل منهم
لقب " المفكر الإسلامي الكبير " أو " الـمــؤرخ الإسـلامي الكبير
" ونحـو ذلك.
وقد أسهـم أعــــداء الأمة من
المستشرقين والمنصّرين في تلميع هذه الأسماء أمام جـمـهــــرة المسلمين . وكان هذا
التيار يمثل جبهة الاتجاهات الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، رافعاً شـعـار
" الـتـجـديـد " أو " الاسـتـنـــارة " ، ويخفي حقيقة دعوته
عن الأمة، والتي هي عند التمحيص ليست إلا وجهاً من وجوه " العلمانية" .) [1]
و" العصرانية " ... حركة
تجديد واسعة نشطت في داخل الأديان الكبرى : داخل اليهودية وداخل النصرانية وداخل
الإسلام أيضاً " ، " والعصرانية في الدين هي أي وجهة نظر في الدين مبنية
على الإعتقاد بأن التقدم العلمي ، والثقافة المعاصرة ، يستلزمان إعادة تأويل
التعاليم الدينية التقليدية ، على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة " [2]
ويُلخّص أفكارهم الشيخ سفر الحوالي في
نقاط [3]
:
- تطويع الإسلام بكل وسائل التحريف والتأويل والسفسطة لكي يساير الحضارة الغربية فكراً وتطبيقاً.
- إنكار السنة إنكاراً كلياً أو شبه كلي.
- التقريب بين الأديان والمذاهب ، بل بين الإسلام وشعارات الماسونية
- تبديل العلوم المعيارية "أصول الفقه ، وأصول التفسير ، وأصول الحديث" تبديلاً تاماً ، وفرّعوا على ذلك إنكار الإجماع والاعتماد على الاستصحاب الواسع والمصالح المرسلة الواسعة – كما يسمونها – في استنباط الأحكام واعتبار الحدود تعزيزات وقتية.
( ولكتَّاب المدرسة العصرانية أقوال عحيبة حول " تجديد أصول الفقه " مآلها الفصل
بين الدين والدولة، ومحاولة تمييع العلوم المعيارية للوصول إلى الفوضى، والتمهيد
لتطبيق القوانين الوضعية الغربية تحت مظلة الإسلام.
يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد: " والاجتهاد الذي نحتاج إليه
اليوم ليس اجتهاداً في الفروع وحدها، وإنما هو اجتهاد في الأصول"
ودعا الدكتور حسن الترابي إلى تطوير أصول الفقه، للوفاء بحاجات
المسلمين المعاصرة فقال: "إن علم الأصول التقليدي لم يعد مناسباً للوفاء
بحاجتنا المعاصرة حق الوفاء؛ لأنه مطبوع بأثر الظروف التاريخية التي نشأ فيها " .
و يقول أيضاً :
"الاجتهاد مثل الجهاد، وينبغي أن يكون منه لكل مسلم نصيب" ، ويضيف
قائلاً : "واتسم فقهنا التقليدي بأنه فقه لا شعبي، وحق الفقه في الإسلام أن
يكون فقهاً شعبياً" ) [4]
- الإصرار على أن الإسلام ليس فيه فقه سياسي محدد وإنما ترك ذلك لرأي الأمة ، بل وسعوا هذا فأدخلوا فيه كل أحكام المعاملات فأخضعوها لتطور العصور وجعلوا مصدرها الاستحسان والمصالح الواسعة.
- تتبع الآراء الشاذة والأقوال الضعيفة والرخص واتخاذها أصولاً كلية. وهم مع اتفاقهم على هذه الأصول في الجملة تختلف آراؤهم في التطبيقات ، وبعضهم قد يحصر بحثه وهمه في بعضها ، وهذا الاتجاه على أية حال لا ضابط له ولا منهج ، وهدفه هدم القديم أكثر من بناء أي شيء جديد ، وإنتاجه الفكري نجده في مجلة المسلم المعاصر ، ومجلة العربي ، وكتابات حسن الترابي ، ومحمد عمارة ، ومحمد فتحي عثمان ، وعبد الله العلايلي ، وفهمي هويدي ، وعبد الحميد متولي ، وعبد العزيز كامل ، وكمال أبو المجد ، وحسن حنفي ، وماهر حتحوت ، ووحيد الدين خان. وإنما رأيت ضرورة التنبيه عنهم لخطورتهم واستتار أمرهم عن كثير من المخلصين .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق