سبتمبر 27، 2011

كــسر القــيد




في خصم الأجواء التي تشهدها المنطقة والثورات المتلاحقة التي ما تكاد إحداها تهدأ وتقف لتلتقط أنفاسها حتى تنهض أختها وتستلم المشعل منها وتمضي بخطى أسرع لتحقيق قدرها ، ووسط هده الأحداث المتلاطمة والمتسارعة وجب على العقلاء من أبناء أمتنا التريث والوقوف لحظة لإلتقاط الأنفاس والتفكر وإمعان النظر فيما تمثله هذه الثورات والغايات المنشودة منها و آثارها على الفرد والمجتمع.

عندما تُذكر كلمة ثورة ترتسم في الأذهان تلقائياً صورة لمتظاهرين مفعمين بالشباب والحيوية والشجاعة ، يرفعون لافتات تسطر مطالبهم ، يُلوحون بأيديهم في تحدٍ صارخ لقوى الإستبداد ، يصدعون بأعلى أصواتهم ويصرخون ملئ حناجرهم ثورة .. ثورة .. ثورة ، لا شيئ يثنيهم عن عزائمهم إلا الموت أو النصر.

ولكن بعد أن تهدأ الصورة وتستقر يتبادر إلى الذهن جملة من الأسئلة تطرح نفسها وتُلِح في طلب الإجابة ... ما هي أهداف ومطالب هذه الثورة أو تلك ؟

هل يكون بإسقاط هذا النظام أو ذاك تحققت جل مطالب المتظاهرين؟

 هل بمجرد تغيير نظام سياسي واستبداله بآخر تكون ثوراتهم قد انتصرت؟ 


قبل محاولة البدء في الإجابة عن تلك التساؤلات لا بد من تعريف معنى الثورة.
الثورة في اللغة .. هي التمرد والعصيان على نظام أو تعسف أو ظلم أو فساد .. هي الإندفاع العنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والإجتماعية والفكرية تغييراً أساسياً .. وهي أيضا الخروج من الأوضاع الراهنة سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم.
   

إن مما لا شك فيه أن التغيير لوضع أسوأ مما هو قائم هو السَّفَهْ بعينه .. وعلى هذا لا يختلف العقلاء على أن المطلوب هو التمرد على الوضع الراهن والتطلع نحو تغيير أفضل لا يشمل الجانب السياسي فقط بل يتعداه لكافة مناحي الحياة الدينية والأخلاقية ، الثقافية والإجتماعية ، التربوية والتعليمية.  
باختصار شديد المطلوب هو ... إعادة بناء الفرد على قواعد سليمة ومتينة وإعداده لتحمل العبئ الثقيل الملقى على عاتقه ألا وهو ... بناء المجتمع.

ولكن قبل الحديث عن بناء الفرد يجب أن نفطن للحقيقة المُرّة التي نعيشها وهي أن  الأنظمة القمعية التي ملكت شعوبها شرقاً وغرباً خلال العقود المنصرمة أجمعت على هدف موحد ألا وهو سلب الفرد إستقلاليته ... من خلال سلبه حرية التفكير.

 وقد نجحت تلك الأنظمة التعسفية نجاحاً باهراً في تحقيق مخططها عن طريق تجميد عقل الفرد وقولبته داخل قوالب مُعدّة مُسبقاً تخدم مصالحها وتحقق أهدافها وتلائم توجهاتها ، وعمدت إلى إلغاء العقل الفردي واستبداله بعقل جماعي يُفكر ككُل ، يتعلم ككُل ، يُحب ككُل ، يكره ككُل ، دون ما الحاجة لعناء التفكير فالقادة ومثقفيهم يُفكرون عنه، وإعلامهم وأفلامهم تُوجهه ، ومناهجهم وكتبهم تُثقّفُه ، وأزياءهم وصرعاتهم تتحكم في أهواءه. وأصبحت الشعوب تتحرك كالآلات وتُساق كالقطيع يُقال لها شنهقي .. فتُشَنْهِق ، اقفزي فتسأل لأي مدى؟؟

واطمأنت حكومات التنوير بعد أن وضعت عقل ذلك الفرد المسكين داخل صندوق القولبة وأوصدت عليه الأقفال ، فسُلِبته إستقلاليته بعد أن أضحى عاجزاً على التفكير خارج نطاق جدران صندوقه.

والويل كل الويل لمن حاول الخروج عن دائرة التفكير المسموح به لفلك فضاء التفكير الواسع بالتمرد على عادات و تقاليد ذلك الصندوق اللعين أو محاولة كسر قيده فذلك من أعظم الكبائر وأفظع المحرمات تحت ظل تلك الأنظمة وجريمة لا تُغتفر يُوصف مرتكبُها بالهرطقة في قواميس المستبدين يستحق عليها أقصى العقوبات.
 
ولكي نُدرك سر تلك الحرب الشعواء التي شنتها أنظمة الضلال والفساد على ذلك العقل المسكين وجب تعريف الإستقلالية لغوياُ.

إن الإستقلالية ... هي قدرة الفرد على اتخاذ قرارات نابعة عن خياراته بدون الخضوع لأي مؤثرات أو ضغوط خارجية.
فباستقلاليته ...  يُطلق الفرد العنان لعقله للتفكر والتأمل
وباستقلاليته ... يُميِّز الفرد بين الخير والشر وبين الحق والباطل
وباستقلاليته ... يختار الفرد طريقه بإرادته الذاتية ويتحمل مسؤولية إختياره
وباستقلاليته ... يُحب الفرد ويُبغض فيوالي من أحب ويُعادي من كره وفقاً لمنهجاً  مضبوطاً بعيداً عن الأهواء
وباستقلاليته وبوضوح رؤيته يري الفساد فيميزه ويُنكره فيُغيره، ويُبْصر ما ينفعه فيسعى إليه وينطلق بذلك إلى عالم الإبداع الواسع يضع بصمته المميزة غير مُكترث بالقوالب السابقة الإعداد.

لقد كرم الخالق تبارك وتعالى الفرد حينما منحه العقل وجعله مناط التكليف وحاكاه بـــ "أفَلا تَتفَكّرون"  و "أفَلا تَعْقِلون" و" أَفَلا تُبْصِرُونَ " فحثه على التأمل والتفكر بحرية وصفاء بعيدا عن أي ضغوط فبقاعدة "لا إِكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِ" ترك المولى للفرد حرية الإختيار واتخاذ قراره المصيري وتحَمُّلْ تبعات قراره بقوله: "فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن ومن شَاء فَلْيَكْفُر" .. وإذا كان الفرد غير مُجْبَرٌ على اتباع شرع خالقه أفأنتم تُكرهونه على ما هو دون ذلك ؟؟؟ أو بعد هذا التكريم الرباني للفرد يستسلم للفساد والإستبداد بتخليه عن حقه الإلهي في ملكية عقله واستقلاليته ؟؟؟

إن الثورات الحقيقية التي يعقُبها التغيير الجاد والمؤثر هي التي تنتج من المعاناة والقهر لشعوبها وإن التكلفة الباهظة الذي تدفعها الشعوب ثمناً لثوراتها من قتل وتعذيب وتشريد ودمار وإن آهات المعتقلين وحسرات اليتامى ودموع الأمهات ودماء الشهداء الزكية التي سالت في ساحات الحريات تنادينا بل وتستصرخنا ألا نضيع معاناتهم وتضحياتهم هباءا بتغافلنا أو تخلينا عن أعتى أداة للإصلاح والتغيير .. ألا وهي ... الإستقلالية.

وحتى تُؤتي الثورة أُكُلها ونبدأ في جني ثمارها .. لا بد من كسر الأغلال والقيود وتحرير العقول لإسترداد حرية التفكير خارج حدود ذاك الصندوق اللعين .. وفي تلك اللحظة فقط نتمكن من إسترداد إستقلاليتنا .. وحينئذ نستيطع أن نحتفل و نعلنها على الملأ ... أن قد بدأت مرحلة التغيير وأن ... ثوراتنا قد انتصرت.

لقد أحببت أن تكون "كسر القيد" مقدمة لسلسة من المقالات في عدة مجالات سياسية ، تربوية ، تعليمية ، إجتماعية ودينية ...  أعتزم فيها بعون الله محاولة خوض  غمار مفاهيم ينبغي تصحيحها ومسائل لابد من تأصيلها ، وأطرح جملة من الأفكار خارج نطاق الصندوق الضيق وبعيداً عن القوالب العقلية الجاهزة.   

سبتمبر 15، 2011

نخــــــــوات العشائر ... اليوم مدعاة فُرقـــة أم أداة عصـــمة ؟؟؟


مما هو متعارف عليه أن لكل قبيلة أو عشيرة نخوة خاصة بها تثير هممها وتشخذ عزائمها عند احتدام المعركة وعندما يعلو لهيبها دفاعا عن مضارب القبيلة والعشيرة ، إذكاءاً لحماسة أبطالها واستثارةً للنخوة الكامنة في النفوس لتحمل الأعباء ، كقول بعض القبائل  " ابشروا أنا أخو هدلة" ، " حنّا أخوة صبحة" أو "أنا أخو وضحة".

لقد كرم الله أهل جزيرة العرب إذ أخرج رسالته فيهم وبعث فيهم نبيه الهادي الأمين فانتشلهم من براثن الفرقة والاقتتال فيما بينهم وعلمهم ووحدهم ورباهم حتى تمكنت العقيدة من نفوسهم فانبثق من أرضهم نور الإيمان وتطايرت آثارهم في الآفاق شرقا وغربا تملأ الأرض عدلاً وسلاماً بعد أن كانوا أدوات في ساحة تجاذب إمبراطوريتي الفرس والروم.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :"ويل للعرب من شرٍ قد اقترب" .. وأيُّ شر أنكى  وأفظع من إحتلال الدولة الصفوية بأحقادها التاريخية لدولة بني أمية.

يا عشائر سوريا والعرب  ... إن الإرث التاريخي والوطني الذي تحملونه على عاتقكم يُحتم عليكم  ويستصرخُكم  كي تنهضوا وتعودوا لقيادة المسيرة لتوحيد صف سوريا ثم الأمة ، فالعشائر بتركيبتها الإجتماعية وتقاليدها وأعرافها وقيمها وبنيتها التنظيمية وانصياعها لقياداتها تجعلها الوحيدة القادرة على قيادة المسيرة وسط مجتمع تربي خلال الأربع عقود الماضية على الإنقسام والتشرذم ، سيروا ولا تنتظروا الآخرين ومن شاء اتباعكم أصاب وفاز ومن تخلف عن ركبكم فـلستم عليه بمسيطرين 

إن المد الصفوي والإحتلال المجوسي لسوريا خاصة وللمنطقة عامة لا يستطيع الوقوف في وجهه لا تحالفات غليونية ولا زيادية، لا مالحة ولا حلوة ، لا شرقية ولا غربية ، لا استانبولية ولا قاهرية ، لاقطرية ولا باريسية .. وأنّى لها أن يكون لها تأثير أو دور فاعل وهي العاجزة حتى عن تمثيل أنفسها أو تقديم رؤية أو حل واقعي للمأساة التي يعيشها الشعب السوري اليوم ، فــ " فاقد الشيئ لا يُعطيه" وجُل همها الوصول للسلطة والجاه.

 إن التحالف الوحيد القادر والمؤهل للوقوف في وجه هذا المد الهمجي هو تحالف قبائل "عيال السُنّة" وعشائر "أولاد عائشة" مع قيادة حكيمة واعية أثبتت نفسها على الساحة العملية ، قيادة تتمتع بالمصداقية والدعم الشعبي المتناهي قيادة تستطيع أن تتحمل العبئ الثقيل الملقئ على كاهلها لا لتطلعها لمنصب أو جاه فقد أعلنتها منذ عشرات السنيين في حربها العلنية والإعلامية ضد المجوس الأنجاس أن "هي لله .. هي لله" بل لإيمانها بواجبها تجاه هذه الأمة فـ" لا يفِلُّ الحديد إلا الحديد".  
 منذ مئات السنين نادت إمرأة في عامورية فلامس نداؤها نخوة المعتصم .. اليوم آلام الأطفال
 وآهات الثكالى ، الأموي المدنس بأحقاد أزلية ، ومآذن المساجد المهمدمة  وصفحات القرآن المحروقة تستصرخكم   .. فهل تلامس صرخـــــــاتها نخــــــــــوتكم ؟؟؟

يا عشائر سوريا والعرب .. لا تتطلعوا شرقاً ولا غرباً، لا شمالاً ولا جنوباً  تبتغون العزة والمجد استرشدوا ببوصلتكم واستلهموا قول عمر فاروقكم :" إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله "

يا عشائر سوريا والعرب .. لا تفرّقوا فتذهب ريحكم ، وحدوا صفكم خلف قيادة حكيمة وأجمعوا كلمتكم عليها فبعون الله ثم باعتصامكم خلفها تخرج بكم وبشعب سوريا الأبية والأمة من خلفكم وترسو بكم إلى بر الأمان ، هبوا للدفاع عن محارم الله ومحارمكم لإحياء أمجادكم ودعوا النخوات القبلية مدعاة الفرقة جانباً وكفاكم فخراً أنكم ...... " عيال السُنّة" و " أولاد عائشة ".  



أما والله الذي لا إله غيره  إن بقيتم على تشرذمكم و تآمرتم على شعبكم وتاجرتم بدماء شهداء سوريا وبعتم دينكم وأعراضكم بعرض من الدنيا قليل بتحالفات شخصية لمصلحة هذا الشيخ أو تلك القبيلة فستبوؤون بغضب من الله وسيلعنكم الناس والأمة والتاريخ .. وسيأتي اليوم الذي يُباعُ فيه أبناءكم في سوق نخاسي قُم وسيُتَمتّعْ ببناتكم وأخواتكم وتووسمون كما توسم مواشيكم  من قبل المجوس الأنجاس ... ويومئذ لن تبقى هناك لا هدلة ولا صبحة ولا وضحة ..  بل جُل ما يتبقى هو الخزي والعــــار والدمار.



كلمة أقولها ... لله ثم للتاريخ



.. بقلم حُرّة

سبتمبر 11، 2011

في إنطلاقتها الأولى

  

 
   ..  تنطلق لأول مرة وسط أحداث جسام تعم منطقتنا .. أحداث أعادت فتح دفاترها و ملأ محابرها بعد أن نضبت أقلامها لتخط سطور التاريخ من جديد ، تاريخ لطالما كتبناه بإبداعنا وإصرارنا وعزيمتنا ودمائنا .. فانطلقت أصداءه تعم مشارق الأرض ومغاربها خيراً وعدلاً وسلاماً .. إلى أن أصابنا الوهن والتقاعس والجهل و تَبَايَعْنا بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْنا بأَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِينا بِالزَّرْعِ  .. فأصبحنا خلال القرن المنصرم نُطِلُّ على خشبة مسرح التاريخ على استحياء من خلف الكواليس بعد أن أضحت سيناريوهاته تُكتب وتُحْبكْ بعيدا عن مشاركتنا أو أدني تدخل و تأثير من جانبنا .
كم صرّفتنا يَدٌ كُنـا نصرّفُهـا    
وبـات يملِكُنـا شعبٌ مَلَكناهُ

لقد عشقت في  طفولتي أبطال ملاحم من كانوا قبلنا ، وعشت مراهقتي أزدري شبابا خسروا هويتهم باستنساخ هوية غيرهم وبنسيانهم ماضيهم ، قال الشاعر فيهم   ..
 لا درَّ درُّ امرىءٍ يطـري أوائلَه         فخـراً ويُطرقُ إن سائلته ماهُوْ ؟

استرشد الغربُ بالماضي فأرشَدَهُ       ونحـنُ كـان لنا ماضٍ نسيناهُ


  وأضحى التطلع لمستقبل مشرق في شبابي هاجس وحلم بعيد المنال  كلما داعب مخيلتي أسكته بقراءة بعض الأسطر من كتب تاريخ زمن العزة و الكرامة وما أن أبدأ إلا ويعتصر قلبي ألما وتخنق الحسرة عبراتي فتختلط أحرفه بدمعي  .  
اللهُ يعـلـمُ مـا قَلّبتَ سيرتَهُـم
يومـاً وأخطـأَ دمعُ العينِ مجراهُ

أما اليوم ..  فبوادر الأمل تتجدد، وحلم الأمس لم يعد مُحالا ، فما أن نفضت الأحداث الغبار عن دفاترها ..  حتى تفجرت طاقات وامكانات كامنة كنت أظنها قد عُدمت من بين شجاعة ثائر وقصيدة لشاعر وفصاحة خطيب و شهامة تاجر وو...    
فأصابتني بالذهول وعجز لساني عن وصفها ..  وتسارعت الأفكار في عقلي حتى كادت تخنق شراييني من فرط تفاعلي ، فتحتم على اطلاق العنان لقلمي ليعبر عن خلجاتي فيهدأ فؤادي .
 وإنني أتمنى على الله أن أستطيع أن أشارك ولو بخاطرة أوفكرة أو كلمة  تدون فتكون ... لله ثم للتاريخ.

.. بقلم حُــرّة   

هــــويتي ؟؟؟





مما اعتدت عليه قبل أن أشرع في قراءة أي مقال أو كتاب أن أبحث عن هوية كاتبه. ولا أعني بالهوية هنا أين ولد و أين أمضى حياته؟ وإن كان موطنه يُشكل جزء من تكوينه لكن مفهومي للهوية أوسع وأعم .. فالهوية هي جملة من أراء الفرد الفكرية وانتماءاته الدينية، نظرته للحياة وطريقته في التعامل معها، شخصيات وتجارب أثّرت في حياته وأثْرتها.
 
من أنا ؟... انحدر من أسرة متعددة الجنسيات والأعراق .. خليط بين المصري والسوري و البدوي والشيشاني ، عائلتى عصبة أمم من بين هندي ونمساوي وبريطاني وبولندي وكويتي و أمريكي وسعودي و كندي.

 لا موطن لي .. فموطني هو مسكني، ولدت في الكويت وسط بيئتها المحافظة، زرت العديد من الدول فأبهرني تعدد ثقافاتها وحضاراتها، استهوتني الشام بأهلها وأصالتها ، درست واستوطنت كندا لفترة فتعلمت أهمية الإعتماد على النفس والتفكير باستقلالية وعملية، حط رحالي برهة في المدينة فأصابني ريح مِسكُها العطر، انتقلت لمصر فأدهشتني تناقضاتها، وأخيرا .. أذهلتني شجاعة أهلها ..  فعشقت حمص وحماة.

أنا تلك الطفلة التي ..  تأثرت بروح والدها المغامرة والتواقة للسفر والترحال وتفانيه في كل ما يُوكل إليه فتعلمت منه الإصرار والمُثابرة في العمل والعفوية وحب المغامرة.

 أنا تلك الشابة التي .. لم تجد رفيقا خيرا من والدتها برزانتها وجديتها وحكاياتها عن الماضي وحديثها عن التاريخ فزرعت في نفسها الفخر والعزة بهويتها وإنتماءها. 
فنشأت في أسرتها بين دفع للأمام للإنطلاق والعمل وبين جذب الماضي بجذوره وأصالته وضوابطه مع التطلع الدائم للسماء.

أنا تلك الزوجة التي .. تربت على عين زوجها فارتوت من ينبوع علمه الواسع الصافي ونهلت من نهر تجاربه المتعددة وخبراته المتنوعة في الحياة، فكان لها نِعم المُعلم ونِعم الصديق.

أنا تلك الأم التي .. أحسّت بفداحة المسؤولية المُلقاة على عاتقها ورفضت تسليمها لمن ينوب عنها من مدْرسة أو مُدرّس فآثرت استثمار جهدها المُقِلً  وخبرتها المتواضعة ووقتها لتربية وتعليم أبناءها على عينها بعيدا عن المتناقضات، فعاشت معهم تجربة فريدة من نوعها وعت من خلالها معنى الأسرة وترابطها، وآمنت بضرورة تحديد أولويات الحياة .. وشكل لها أبناءها باختلاف ميولهم وتنوع اهتماماتهم تحدي مستمر جعلها في سعي دائم للتعلم لمحاولة اللحاق بركبهم ... فقطفت من ثمار تلك التجربة أكثر بكثير مما أعطتها، وذلك بفضل الله ومنته عليها.
   
ومازالت الأيام تتوالي ويأتي كل يوم بتجربة جديدة نتعلم منها، نستخلص العبر، تُثري من نحن فتُعيد تحديد هويتنا وتجددها ...

... بقلم حُرة

العـــــــلمانيـــــــة ... خطــــــورتها آثـــــارها وموقف المسلم منها



    
لقد كثُر في الآونة الأخيرة ذكر العلمانية في صدد الحديث عن أنظمة الحكم المدنية البديلة في ظل ثورات ما يُسمى بالربيع العربي. ولأن ظاهرة العلمانية تعد من أخبث وأخطر  الظواهر التي تواجه المسلمين في عصرهم الحاضر ، حيث يراد لهذه الظاهرة أن تمحو شريعة الله من الأرض وتقصيها من واقع حياة المسلمين ، وتشتت ولاءهم الموحد إلى ولاءات متعددة ارتأيت أن أعرض بحثا كنت قد قدمته للجامعة منذ بضع سنين يعرض لتاريخ نشأة العلمانية وخطورتها وآثارها السلبية على واقع أمتنا الإسلامية.
 
مع العلم أن آثار العلمانية تكاد تطال كل جوانب حياتنا منذ ما يقارب القرن فهي ليست فكرة جديدة  أو ظاهرة وليدة ولكن جهل البعض وانخداعهم ببريقها المزيف يحتم على من يعي خطورتها التحذير منها وفضح مقاصدها.

لقراءة وتحميل ملف العلمــــانية كاملاًاضغط هنا أو على رمز PDF     

سبتمبر 08، 2011

العـــــــلمانيـــــــة .. المقدمة



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
     الحمد لله الذي هدى عباده المؤمنين إلي توحيده وشرعه وهو اللطيف الخبير ، وأضل عباده المستكبرين بعدله وحكمته ، وأسبغ علي المؤمنين نعمه ظاهرة وباطنة، فله الحكمة البالغة في خلقه وأمره ، الذي أحسن كل شيئ خلقه فلا يخلق شيئاَ عبثاً ، ولا يشرع شيئاً سدى الذي له الحكم في الأولى والآخرة فيحكم بين عباده في شرعه وقدره وجزائه لا يشاركه في ذلك أحداً  [1]  


   فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، أحاط بعلمه كل شيء ، ووسعت رحمته كل شيء ، تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً وتقدست أسمائه عن كل عيب ونقص ، فله الأسماء الحسنى والصفات العلا لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو بصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك البر الرؤوف الرحيم ، وأشهد أن محمداً إمام المتقين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين ومن والاه الي يوم الدين وسلم تسليماً كثيراًأما بعد
يقول الله تعالى :{‏  وإن تعُدّوا نِعمة الله لا تُحصُوها } ( النحل .. آية 18)
لقد خلق الله الخلق أجمعين ، فبرأهم وسواهم وصورهم بفضله وحكمته ، وأنعم عليهم بنعمه الظاهرة والباطنة ، و إن من أجل نعمه على عباده أنه لم يتركهم هملاً بعد أن خلقهم ، بل هداهم إلى الحق بإرساله الرسل تُرشدهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم في الدارين الدنيا والآخرة .


وبعث لهم محمداً - صلى الله عليه وسلم – رحمة للعالمين ، بعد أن ضاعت معالم الرسالات السماوية السابقة ، وتحرفت معالمها ، وخفت إشعاعها ، وضعُف أثرها في الحياة الإنسانية ، فكانت رسالته تجديداً لدعوة التوحيد التي بُعث بها سائر الأنبياء والمرسلين ، وتعديلاً للشرائع السابقة وإكمالاً لها ، بعد أن ارتقت البشرية وتفتحت عقولها وتهيأت نفوسها لاستقبال الرسالة الخاتمة بكل جوانبها الروحية والإجتماعية . [2]  

يقول المولى جل في علاه }:   لكُل جعلنا منكُم شِرعةً ومِنهاجاً { (المائدة / 48)  

فختم الله رسالاته " بالإسلام " ذلك " المنهج الرباني " الذي  يُقرب  لإدراك الإنسان طبيعة الحقائق الكبرى التي يتعامل معها وطبيعة العلاقات والإرتباطات بين هذه الحقائق : حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية .. وما بينهما من تعامل وإرتباط ، ذلك المنهج الذي  يُوضح ويُعرّف الإنسان حقيقة مركزه في هذا الوجود الكوني ، والغاية من وجوده الإنساني .  [3]

إعلم بأن الله جل و علا             لم يترك الخلق سدى وهملا
بل خلق الخلق ليعبدوه                وبالإلهية يفردوه
أخرج فيما قد مضى من ظهر        آدم ذريته كالذر
وأخذ العهد عليهم أنه                لا رب معبود بحق غيره
وبعد هذا رسله قد أرسلا            لهم وبالحق الكتاب أنزلا
لكي بذا العهد يذكروهم            وينذروهم ويبشروهم
كي لا يكون حجة للناس بل        لله أعلى حجة عز وجل
فمن يصدقهم بلا شقاق             فقد وفى بذلك الميثاق
وذاك ناج من عذاب النار           وذلك الوارث عقبى الدار
ومن بهم وبالكتاب كذبا            ولازم الإعراض عنه والإباء
فذاك ناقض كلا العهدين            مستوجب للخزي في الدارين [4]

  إن انتقاص منهج الله في شعيرة ، أو أمر من الأمور التي شرعها الله ، يعني الاعتقاد بأنه منهج ناقص قاصر ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، والدين الإسلامي منهج متكامل يقوم أساساً على قاعدة الإيمان بالله وحده ، وأن محمداً رسول من عنده ، إيماناً واضحاً يكون من مقتضاه الاستسلام لله سبحانه ، ونزع كل عبودية لغير الله في كل شؤون الحياة العامة والخاصة . [5]

 لقد دأب دعاة الباطل منذ أن أشرقت رسالة خاتم النبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -  على البشرية في محاولات لإبعاد المسلمين عن صراطهم المستقيم باضلالهم عن شرعهم القويم بكافة الوسائل والطرق ، ولقد كان مقدار نجاحهم في مساعيهم الباطلة مرتبط إرتباط وثيق بمدى رسوخ العقيدة السليمة في نفوس المسلمين وبتطبيقهم  لشرعهم في كل كبيرة وصغيرة ، وكل عامة وخاصة ، في الظاهر والباطن .

 ولقد حاولوا تمرير سهامهم السامة لهذه الأمة ، ولكنها ما استطاعت أن تفي بالغرض المطلوب ، إلى أن ضعف المسلمون ضعفاً روحياً شديداً ، فلا سعة في العلم ولا حماسة في الدعوة  ، وركون إلى الدنيا ، وإنغماس في الملذات والشهوات ...  فعندها وجد أهل الباطل ضالتهم ومنفذهم ، فوجهوا سهامهم مجتمعين ووحدوا قواهم وخرجوا " بظاهرة جديدة " ألبسوها على المسلمين باسم التقدم والحضارة والمدنية ، فخطف ظاهرها البراق أعينهم واستحسنتها عقولهم فشربتها قلوبهم ، ولم يعووا لما يحمله باطنها من دمار لا يقتصر على أمة الإسلام ، بل يتعداه لخراب البشرية  جمعاء ، ألا وهي ... " العَـــــــــلمَانـِّية " .

 إن ظاهرة " العلمانية " تعد من أخبث وأخطر الظواهر التي تواجه المسلمين في عصرهم الحاضر ، حيث يراد لهذه الظاهرة أن تمحو شريعة الله من الأرض وتقصيها من واقع حياة المسلمين ، وتشتت ولاءهم الموحد إلى ولاءات جاهلية متعددة .[6]

  وما هذا المبحث بصدد التحدث عنه هو عرض لهذه الظاهرة الخبيثة مع بيان أهم مخاطرها وآثارها السلبية على أمة الإسلام ، ثم حكم الشرع فيها وواجب المسلم منها .

 ولقد وقع إختياري على هذا الموضوع لسبب رئيسي وهو ضرورة معرفة المسلم بكل ما يخطط له أعدائه بهدف إضلاله وإبعاده عن الحق وعن المنهج الذي ارتضاه له رب العالمين ، وضروره الحذر من الفتن التي أطلت برأسها .. وما العلمانية إلا إحدى تلك الفتن الفتاكة التي أصيبت بها أمة الإسلام .

  ولقد قمت خلال البحث بمحاولة لربط العلمانية كنظام أو مفهوم بالواقع الذي فرضه على العالم ، عن طريق عرض للأحداث التي صاحبت ظهور هذه الفكرة أو الحركة والأسباب التي دعت لقيامها ، والقوى التي دعمتها وروجت لها ومن ثم آثارها السيئة على المجتمعات التي تبنتها ، وأقتصر الحديث في ذلك على المجتمع الإسلامي ، ومن ثم واجب المسلم تجاهها .


وبعد ... فإني أشكر الله وأحمده تيسيره وتسهيله لي العمل في هذا البحث.
   ولا أدعي أنني قد تعرضت للموضوع من كل جوانبه ، ولكن حاولت عرض أهمها .فما كان من صواب فمن الله ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله منه برئ .  


انظر كتاب " صفات رب العالمين " ...  لعلى محمد المصراتي  [1]              
[ السيرة النبيوية الصحيحة ... للدكتور أكرم ضياء العمري فتح الله عليه    [2
  انظر كتاب " خصائص التصور الإسلامي " ... سيد قطب رحمه الله   [3]  
     معارج القيول ... الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي    [4]   
 من خطب المسجد الحرام ... الردة في ثوبها الجديد  [5]   
انظر خطب المسجد الحرام ... الردة في ثوبها الجديد   [ 

المبحث الأول : مفهوم العلمانية


المبحث الأول
 مفهوم العلمانية

المطلب الأول
تعريف العلمانية
     "   لقد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية التي نشأت فيها العلمانية، مؤنة البحث والتنقيب، فقد جاء في القاموس الإنجليزي أن كلمة (علماني ) تعني :
.  دنيوي أو مادي 
.  ليس بديني أو ليس بروحاني  
. ليس بمترهب، ليس برهباني  

وجاء أيضاً في نفس القاموس بيان معنى كلمة العلمانية حيث يقول :  
العلمانية : هي النظرية التي تقول ... إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية . 

وفي دائرة المعارف البريطانية نجدها تذكر عن العلمانية: أنها حركة اجتماعية تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب . 
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين :  
  1.  إلحاد نظري     
  2. إلحاد عملي، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي .

   وقد حرف العلمانيون العرب الكلمة من ترجمتها الحقيقية اللادينية إلي ترجمة أخري  محرفة جذابة توحي بالعلم والتقدم  .. العـِلمَانية من العـِلم . وهذا من ضمن سياستهم المعهودة في التلاعب بالألفاظ والمسميات .           

 فلا علاقة للعـَـلمانية بالعلم كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس بأن المراد بالعِلمانية ( بكسر العين ): هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه " . [1]

   ومن هنا نخلص إلى ... أن العـَـلمَانية وهي إقامة الحياة على غير الدين ،  هي  مذهب من المذاهب الكفرية: التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه [2] ،وذلك بإستبدال التحاكم لشرع الله بالقوانين الوضعية .

***

انظر العلمانية وخطرها على المسلمين ... سليمان إبراهيم / مقالات على الإنترنت   [1]
  المصدر السابق [2]














المطلب الثاني : صور العلمانية



المطلب الثاني
صور العلمانية   [1]
 
للعلمانية صورتان كل صورة منهما أقبح من الأخرى :  
الصورة الأولى:
العلمانية الملحدة :
      وهي التي تنكر الدين كلية وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ولا تعترف بشيء من ذلك بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ،  وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ،  فلا ينطلي بحمد الله أمرها على المسلمين ولا يقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يخرج عن دينه، وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين ضعيف وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب أو السجن أو القتل . 

الصورة الثانية:
 العلمانية غير الملحدة:
    وهي علمانية لا تنكر وجود الله وتؤمن به إيماناً نظرياً لكنها تنكر تدخل الدين في شئون الدنيا وتنادي بعزل الدين عن الدنيا، وهذه الصورة أشد خطراً من الصورة السابقة من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين فعدم إنكارها لوجود الله وعدم ظهور محاربتها للتدين يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين، ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم تحارب الدين حقيقة وتحارب الدعاة إلى الله وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين لأنها لم تظهر بالصورة الأولى وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين والله المستعان .

وحديثنا في هذا البحث يعرض الصورة الثانية للعلمانية . 

الخلاصة: أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيه ولا ريب وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله وذلك لأن الإسلام دين شامل كامل فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }(البقرة/208)

 يقول ابن كثير في تفسيره:(  يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه والعمل بجميع أوامره وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك.  ... قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وطاوس والضحاك وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد في قوله "ادخلوا في السلم" يعني .. الإسلام.
وقال الضحاك عن ابن عباس وأبو العالية والربيع بن أنس "ادخلوا في السلم" يعني .. الطاعة ) .
 وقال تعالى مبيناً كفر من أخذ بعضاً من مناهج الإسلام ورفض البعض: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } (البقرة/85) "[2]
 
وقفة تاريخية لابد منها  
      تمهيد :

    قبل البدء في الحديث عن نشأة العلمانية لابد لنا من الرجوع بالتاريخ بعض الشئ  للتعرف على الأحداث و الأسباب والعوامل التي صاحبت نشأتها والتي أثرت فيها أيما تأثير، وذلك في محاولة للربط بين فكرة العلمانية كنظرية والواقع الذي فرضته على العالم منذ نشأتها وحتي يومنا هذا .

 بني يهود والنصرانية تحت حكم الكنيسة  

  مع بداية سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس بسبب بُعد المسلمين عن كتاب ربّهم وسُنّة نبيهم صلى الله عليه وسلم  إجتاح النصارى للأندلس رافعين بذلك لواء الحروب الصليبية الأولى ...  مما أدى إلى إنتهاء " العصر الذهبي " [3] الذي تمتع به بني يهود تحت ظل الإسلام إيذاناً ببدء عصر الذل والإضطهاد لبني يهود تحت ظل الكنيسة الأوربية .

 لقد أظهرت الحملات التي شنّها الصليبيون باسم الكنيسة موجات من الغضب والحقد والضّغينة ضد بني يهود أدت إلى تقتيلهم ومُلاحقتهم إلى فترات طويلة تحت ما يُسمى بمحاكم التفتيش الأمر الذي دفع بني يهود للفرار من الأندلس والتّفرق في أوربا .
 ولكن الأمر في أوربا إزداد سوءً على بني يهود ، إذ أصبح الأوروبين النصارى ينظرون إليهم على أنهم دُخلاء على مًجتمعاتهم ، وكانت أصابع الإتهام تُوجّه لبني يهود في أول بادرة للتخريب أو الفساد في تلك المجتمعات . حتى أن الوباء الذي أصاب أوربا وأدى إلى مقتل ما يقارب من ربع سكانها والذي عُرف " بالوباء الأسود " إتُّهم اليهود بأنهم المُتسببون فيه  ً. 

 ولقد كان لإدّعاء النصارى بخطف اليهود لأبناءهم الصغار وقتلهم في طقوس دينية يهودية ، ما أنزل الله بها من سلطان ، الأثر في تصعيد عمليات التنكيل باليهود ، الأمر الذي أدى إلى :    
  •  فرض القادة الدينيين والسياسيين في أوربا على اليهود بإرتداء شارات وملابس خاصة ليتم تمييزهم بها .
  •     عزل بني يهود في أحياء شعبية خاصة بهم يغلب عليها طابع الفقر ghettos  ومنعهم من الإختلاط بباقي المجتعات .
  •       حظر بني يهود من مُزاولة كثير من المهن التي كانوا يتمتعون بها في دولة الإسلام عدم السماح لبني يهود من تملك الأراضي و العقارات.
     وكانت النتيجة أنه لم يبقى لدي يهود سوى العمل كباعة مُتجوّلون ومُرابيين ( وهو ما يًُتقنونه منذ عهد قديم مع علمهم بحُرمته وعدم جوازه ) لكسب العيش .
     وفي نهاية القرن الثاني عشر طُرد اليهود من انجلترا وفرنسا وأجزاء من أوربا الوسطى فاستقر معظمهم في أوربا الشرقية وبخاصة بولندا .


ولقد إستمر مسلسل الإضطهاد و التقتيل لبني يهود في عدة مُناسباب أهمها :
  •       في عام 1215م عقدت الكنيسة المؤتمر المسكوني الرابع وأصدر قرارات للحد من نشاط اليهود الربوي الفاحش الذي يسعى لتجميع الثروات عن طريق ممارسات غير مشروعة وغير أخلاقية .[4]
  •       في عام 1492م ... وقعت مجزرة ليهود المارانوس marranos وهم من بقايا يهود الأندلس والبرتغال الذين لم يتنصّروا مما دفع العديد منهم للإلتجاء لإيطاليا وتركيا ببنما إتجه البعض الآخر إلى فلسطين .
  •       وفي عامي 1648- 1649م ... وقعت مذابح لليهود في أوكرانيا .
     و بإستمرار وتتابع مسلسلات الإضطهاد والتقتيل والتشريد التي تعرّض لها بني يهود في القرون الوسطى في أوربا ، والذي لم يقتصر على دور الكنيسة ولكنه تعداه إلى ملوك أوربا وأمرائها بل أنهم لم يسلموا حتي من عامة شعوبها ،  ترسّخ لدي بني يهود الإعتقاد بأن أمنهم وإستقرارهم لن يتحقق إلا بإمتلاك القرار السياسي مما سيًمهد لهم الطريق لإنشاء " مملكتهم المزعومة " ليحكموا من خلالها العالم  ... فكان لا بد من خطة واعية مُحكمة بالمكر والدهاء والخداع . 
   
        ولقد أيقن بني يهود أنه من المُحال إعلان الحرب على مراكز القوى في ممالك أوربا وأماراتها وعلى رأسها الكنيسة التي كانت بدورها تقوم بتعيين الملوك في بعض الأحيان ... فكان لا بد لهم ( يهود) من الإلتجاء إلى وسائل وطرق تُعينهم على تغير واقع الذل والإضطهاد المُمارس عليهم كي يكون لهم دور في الوصول إلى مراكز القوى للتاثير عليها ... فوجدوا أن من أنجع الطرق للوصول إلى أهدافهم هو بإعلان الحرب على" النصرانية " .. وبدأو العمل على ثلاث محاور على أساسية : 
·      إختراق الكنيسة
·      تهويد النصرانية
·      شذب الدين بالكلية من كافة مناحي الحياة .. وذلك بنشر الفكر العلماني 

المحور الأول ... إختراق الكنيسة
      لقد حاول يهود ونجحوا في إختراق " جزئي للكنيسة " وذلك بتولي بعضهم لمنصب الحبر الأكبر للنصارى " البابا "  ،  منهم:
•  " جريجوري السابع " [5] .. أو " هلدبراند " اليهودي الذي انضم إلى دير كلوني وتخرج منه كراهب وثم عمل في الشؤون المالية للكنيسة وقوى نفوذه فيها إلى أن إنتهى به الأمر بتنصيبه البابا وتسميته بجريجوري السابع .  [6]
•  "أوريان الثاني " ... اليهودي صديق عمر هلدبراند والذي تخرج أيضاً من دير كلوني والذي كانت السياسة وليس الكهنوت عمله الأساسي و انتهى المطاف بتعيينه الدكتاتور الأعظم للكنيسة المسيحية  . [7]

 ولقد كان هلدبراند هو الذي شحن الأجواء لتعبئة المؤمنين الهمج النصارى لمحاربة المسلمين في الحملات الصليبية ... يقول يوشع براور في كتاب عالم الصليبين /33 ..." الحقيقة أن البابا جريجوري السابع ( هلدبراند ) هو أول من أصدر الدعوة لمحاربة الكفار المسلمين ، وكان ذلك قبل الحملة الصليبية الأولى بجيل كامل ... " ، ثم تبعه البابا أوريان الثاني ( اليهودي أيضاً ) بإعلانه الحرب لتبدأ الحملة الصليبية الأولى. [8]
ولكن هذا الإختراق "الجزئي"لم يكن كافياً لتحقيق الغاية منه .. فبدأ العمل على المحاورالأخرى .
    ومما يجدر بالذكر أن تسلط الكنيسة لم يقتصر فقط على التنكيل ببني يهود بل كان ينال كل من تسول له نفسه بالإعتراض على الكنيسة أو محاولة منازعتها سلطانها ، وقد كان ممن نالهم بطشها علماء دعوا للعلم التجريبي بنبذ خرافات الكنيسة ، ودعاة لحركة الإصلاح الديني .

  "  كانت الكنيسة في أوربا هي ممثلة المسيحية ، ولكنها لم تكتف- كما يفهم من تعاليم المسيحية- بالدعوة الروحية ، بل ادعت لنفسها سلطة زمنية مسلطة على أرواح البشر وعقولهم وأجسادهم ، واشتطت في ذلك إلى حد الدكتاتورية ، بل الفظاظة والوحشية ... وهكذا أصبحت الكنيسة غولاً يطارد الأفراد ، ويزيد على ذلك كله أن تفرض عليهم أفكاراً معينة باعتبارها أفكاراً سماوية مقدسة ، لا يجوز الخروج عليها ، وإلا اعتبر من يعتنقها كافراً بالكنيسة وبالمسيحية ، ووجبت عليه لعنة الرب ولعنة البابا والدولة والناس أجمعين ." [9]
     
  ولقد التقت مصالح بني يهود ودعاة العلم التجريبي ودعاة الإصلاح الديني ( بعلمهم أوبغير علمهم ، برضاهم أو بغير رضى منهم ) في نقطة واحدة .. ألا هي ضرورة التخلص من السلطان التعسفي للكنيسة ، ولقد استغل بني يهود الظرف كعادتهم ، فقاموا بإذكاء نار الكراهية والغضب ضد الكنيسة .

 بينما قامت مواجهات حقيقية بين دعاة العلم التجريبي من جهة ، ودعاة الإصلاح الديني من جهة أخري في حربهم الضروس مع الكنيسة ، إلا أن يهود وقفوا من بعيد- كعادتهم في تجنيد الأمميين [10] لخوض المعارك بالنيابة عن يهود – ينفخوا بكل ما أوتوا في هذا الإتجاه ، وتركزت كل قواهم في العمل على محورين :
الأول : محاولة تغيير وطمس ما بقي من معالم النصرانية بدعم حركات الإصلاح الديني وإخراجها عن مقصدها وذلك .. بتهويد النصرانية .
والثاني : دعم دعاة العلم التجريبي بالترويج للفكر العلماني ... وعرفت تلك الحركة بالعلمانية الناشئة ( وسيأتي الحديث عنها في المطلب التالي ) .

 المحور الثاني ... حركات الإصلاح الديني و تهويد النصرانية       
بدء ظهورحركات الإصلاح الديني  Rreformation في  أوربا في مطلع القرن الخامس عشر يتزعمها الألماني " مارتن لوثر " والتي دعت إلى الثورة على سلطة الكنيسة المطلقة في إحتكار الدين  وإفساح المجال لعوام النصارى بقراءة كتابهم الديني ، ولقد قام لوثر بالفعل بترجمة الكتاب إلى الألمانية بعد أن كان لا يُقرأ إلا من قبل رجال الدين وباللغة اللاتينية , و أصبح الكتاب في متناول الجميع وأصبح أي من كان يستطيع تفسيره .

وعندما ثار مارتن لوثر على الكنيسة في بداية القرن الخامس عشر ، كانت ثورته تهدف إلى كسر القيود  التي طوقتها الكنيسة حول أعناق رعاياها النصارى ومنعتهم من  تعلم دينهم وحق قراءة كتابهم ، والإنكار عليها  استغلال سلطتها الروحية لجني المكاسب المادية ببيعها ما يسمى بـ " صكوك الغفران " [11]، والإنكار عليها  ُبعد أتباعها عن منهج    حواري المسيح - عليه الصلاة والسلام .-

وقد أوضح لوثرفي رسالته الشهيرة الموجه للكنيسة، أنه لم يعد من الممكن أن تعهد الكنيسة  إلى نفسها بهذه السلطة البابويّة لأنها قد فشلت في  أن تُعلّم الإنجيل ، و بذلك قد خسرت كلّ الحقوق لانتقاء القساوسة للناس . وقد ذكر موجهاً كلامه إلى القساوسة العجزة و الرهبان :

 " لو أن أساقفتنا و رؤساء الدّير و القادة الآخرين فعلاً اتبعوا طريق الحواريّين وحذوا حذوهم وليس كما يدعون تفاخراً  ، لاتفق الكل على وجوب السماح لهم مثل تيتس , و بولس و بارناباس بتعيين القساوسة . ولكنهمّ الآن يعتصمون ويجلسون مكان الشيطان و أصبحوا ذئاب , فليس منهم من يرغب في تعليم الإنجيل , ولا منهم من يرغب في التعرض للمعاناة لإبقاءه متواجداً . لذا ليس من المناسب تسليم مكتب  الوعظ  إليهم كما أنه ليس من المناسب تسليمه لأتباع محمد- صلى الله عليه وسلم - أو اليهود . هؤلاء الرّجال ( ويقصد بهم الأساقفة والرهبان المتعسفين )  لا يصلحون إلا لقيادة الكلاب ومؤخرات الرواحل " . [12]

 وعلى هذا نرى أن دعوته كانت دعوة دينية إصلاحية ( وذلك مع فساد عقائدها) هدفها الرجوع لتعاليم النصرانية ( المحرفة) ... ولكن تدخل أيدي خفية كان له الأثر في تغيير مسار حركة الإصلاح الديني .

  يقول يوسف الكفروني - الباحث في النصرانية الصهيونية - :
" لقد كانت الكنيسة حاجبة عن مفاهيم العهد القديم ( التوراة ) ومُعتقداته ولكن حركات الإصلاح بفروعها (  بقيادة " Martin Luther " عام 1517م في ألمانيا ، و " Ulrich Zwingli " عام 1522م في سويسرا ، و" John Calvin " عام  1536م في فرنسا ) اعتمدت التوراة أو العهد القديم الكتاب المقدس لإتباعها النصارى ، وأصبح التّهوُّد والرجوع للتوراة هوس يُسيطر على أذهان المسيحيين البروتستانت ( وهو الإسم الذي أطلق على المذهب الإصلاحي الجديد ) .. فتمثُلوا اليهودية بكل أبعادها وتبدّلت الأسماء من أسماء القديسين النصارى إلى أسماء المُحاربين والملوك اليهود ، وأصبحت اللغة العبرية منذ ذلك الوقت هي اللغة المقدسة وأعيد تدريسها ، وأصبحت التوراة هي المُزوّد للحقائق تاريخياً.
   وعندما يدعو النصارى للثورة على سلطة الكنيسة الدينية وعندما يُصبح المسيح في أذهان ومُعتقد أتباعه يهودياً بعد أن كان ضحية لمؤامرة يهودية ( في معتقدهم الباطل ) ، وعندما يُقدِّّس النصارى التوراة التي تدعو لإقامة مملكة يهود في أورشاليم القدس ....... عندها تكون اليهودية قد حققت إنتصاراً كبيراً . " [13]


 لا نستطيع أن نُجزم بأن اليهود كانوا السبب في قيام حركات الإصلاح الديني في أوربا ... ولكن مما هو مؤكد أنهم ركبوا هذه الموجة ( كعادتهم ) وحاولوا توجيهها وإستغلالها لما يخدم أهدافهم ومصالحهم فكان تشييد الإصلاحيين للعهد القديم أو " التوراة" هي نقطة الضعف التي نفذت منه سهام يهود . وانتهى الأمر إلى أن أصبح الذين ينتسبون إلى المسيح ابن مريم ينتظرون المسيح ( الدجال ) الذي ينتظره اليهود .
وتُعتبر هذه الفترة هي بداية " الصهيونية المسيحية " والتي بدأت قبل " الصهيونية اليهودية " بثلاث قرون .
وبهذا يكون يهود قد إستطاعوا وللمرة الثانية إختراق المعسكر النصراني .[14]




العلمانية وخطرها على المسلمين ... سليمان إبراهيم / مقالات على الإنترنت    [1]
  العلمانية وخطرها على المسلمين ... سليمان إبراهيم / مقالات على الإنترنت  [2]
     [3]    تواجد بني يهود في الأندلس المسلمة من فترة 900م - 1100م أتاح لهم الفرصة للمساهمة في العديد من القطاعات كالفنون الحرفية و الطب والعلوم المادية التجريبية والتجارة والإستثمار   مما جعل مأرّخي بني يهود يعتبرون تلك الفترة " العصر الذهبي " من تاريخهم الحافل بالذل والإضطهاد ... وذلك بسبب عدل الإسلام    
  [4]  انظر كتاب أحجار على رقعة شطرنج ... وليام كار/ نقلاً عن كتاب المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى ... سعيد ايوب      
  [5]  أعلن البابا جريجـوري السابع ( تولى البابوية 1073-1085 م ) " إن الكنيسة بوصفها نظاماً إلهياً خليقة بأن تكون صاحبة السلطة العالمية ، ومن حـق الـبابا وواجـبه   – بصفته خليفة الله في أرضه – أن يخلع الملوك غير الصالحين وأن يؤيد أو يرفض اختيار الحكام أو تنصيبهم حسب مقتضيات الأحوال".
ولم يكن ذلك كلاماً في الهواء ، إنما كان واقعاً عاشته أوروبا عدة قرون . .وأبرز الأمثلة التي يرويها التاريخ الأوروبي ما حدث بين "جريجوري السابع" هذا والإمبراطور الألماني "هنري الـرابع" إذ أن خـلافاً نشـب بينـهما حـول مسـألة ( التعيينات ) أو مايسمى " التقليد العلماني"  فحاول الإمبراطور أن يخلع البابا ، ورد البابا بخلع الأمبراطور وأصدر قرار حرمان ضده ، كما أحل أتباعه وأمراء مملكته من ولائهم له وألبهم عليه . فعقد الأمراء مجمعاً قررو فيه أنه إذا لم يحصل الإمبراطور على المغفرة لدى وصول البابا إلى ألمانيا فإنه سيفقد عرشه إلى الأبد ، فوجد الإمبراطور نفسه مضطراً إلى استرضاء البابا، ولم يستطع أن ينتظر حتى يصل البابا إلى ألمانيا فسافر إليه في " كانوسا " وظل واقفاً في الثلج في فناء القلعة ثلاثة أيام في لباس الرهبان متدثراً بالخيش حافي القدمين عاري الرأس حتى تعطف عليه البابا ومنحه مغفرته ! .. كتاب مذاهب فكرية معاصرة / فصل العلمانية ... محمد قطب    
) باباوات في الحي اليهودي ... يواكم / نقلاً عن كتاب المسيح الدجال .. سعيد أيوب [6]
  عالم الصليبيين ... يوشع براور / نقلاً عن كتاب المسيح الدجال .. سعيد أيوب [7]
كتاب المسيح الدجال  .. سعيد أيوب   [8]
انظر التطور والثبات في الحياة البشرية ... محمد قطب    [9]
10] " الأمميين " هو اللفظ الذي يطلقه يهود على كل من لا ينتمي لدينهم .[10]
[11] كانت الكنيسة تقوم ببيع صكوك تسمي " صكوك الغفران " لرعاياها النصارى الهمج على أنها وسيلة لمحو الذنوب ،  تجني من وراءها المكاسب المادية الطائلة . 
Change in Luther's Doctrine of the Ministry (internet) قراءة من مقالات على الإنترنت  .. [12]
13] من واقع مقابلة أجريت حول العلمانية ودور الكنيسة، كان الكفروني طرفاً فيها  ]
  ِ [14]  كان إختراق اليهود الأول للنصرانية حينما أعلن شاؤول الطرسوسي اليهودي الفريسي ، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره ، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل ، أعلن شاؤول الذي كان يذيق أتباع المسيح سوء العذاب ، إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق ، مؤنباً له على اضطهاده لأتباعه ، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم ، فاستخف الطرب النصارى ، في الوقت الذي لم يصدقه بعضهم ، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدمه إلى الحواريين فقبلوه ، وبما يمتلكه من حدة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين وتسمى بـ " بولس "
 "وكانت الثغرة التي استطاع شاؤول أو بولس من خلالها إختراق جدار هذا الدين الجديد هو إنشاء " عقيدة مُناسبة " لا يكون ميدانها أورشاليم ولا ديار بني إسرائيل ولكن ميدانها هو ... " طريق الأمم " الذي حذر منه المسيح ونهى أتباعه عن الخروج إليه  ... كما أن" ألوهية المسيح " لم تكن إختراعاً عشوائياً. بل هو إختراع محسوب ومضبوط مع خطة طرد أتباع المسيح من أورشاليم إلى طريق الأمم .
وبهذا كان بولس سباقا إلى قبول فكرة انفصال المسيحية عن اليهودية ومهد بإنشاء " العقيدة المناسبة " والتي تخدم مصالح وأهداف بني يهود ."